مِن عين التينة، بارَك رئيس الحكومة تمّام سلام للّبنانيين بإعادة تفعيل عمل الحكومة، على أمل أن لا يُعرقل انعقادَها اليوم طوارئ اللحظة الأخيرة. ولولا مباركة سلام لهذا الإنجاز الذي حقَّقته الجولة الرابعة عشرة من الحوار لاعتقَد المراقبون والإعلاميون، بمن فيهم اللبنانيون، أنّها كانت جلسة «نقاهة وفكاهة»، كثُرَت فيها النكات والتعليقات والتغريدات أكثر من تفعيل البنود الأساسية التي أنشِئت من أجلها والتي كان من المفترض أن تُهيّئ لانتخاب رئيس للجمهورية، وتحسم أمرَها بالإجماع على خطة تنقِذ البلاد مِن سموم النفايات والفيروسات القاتلة التي تفتك بها. لم تَمنع برودة الطّقس المشاركين من الحضور متلحّفين إلى عين التينة بحماسة واضحة، على أمل أن تتوضّح لهم الصورة إزاء الوضع الرئاسي، لكنّ هذا الملف كان الغائبَ الأبرز على رغم المستجدات الأخيرة التي خلَطت الأوراق وأعادت رسمَ التحالفات، ولعلّ الدليلَ الحسّي تمثّل في جلوس المرشّح النائب سليمان فرنجية متوسّطاً الرئيس فؤاد السنيورة والوزير بطرس حرب، الأمر الذي أثار تعليقات المشاركين، أبرزُهم الرئيس نبيه برّي.

وبعد تعليق النائب أسعد حردان بالقول: «شو مغيّرين القعدة»؟ هبَّ السنيورة للدفاع عن «حليفه الجديد»، بالقول: «حسَد ولّا ضيقة عين؟»، ليختمَها برّي: «الظاهر رَح تكون جلسة خطيرة».

تغريدات جنبلاطية

لكنّ الجلسة لم تكن خطيرة رئاسياً، وقد اختصَرت تغريدة طريفة ومعبّرة للنائب وليد جنبلاط، العملَ الفعلي لجلسة الأمس وللجلسات السابقة، إذ لامسَ الحقيقة غير المعلَنة بقوله: «يِمكن ما بدّن هنري حلو ولا سليمان فرنجية ولا ميشال عون، يمكن ما بَدّن رئيس، وهذا أيضاً خيار ديموقراطي على طريقة الجمهورية الإسلامية».

تغريدات جنبلاط كحَّلت الجلسة، على رغم أنه غابَ بداعي المرَض ومثّله النائب غازي العريضي، فيما غابَ أيضاً رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون وقد غرّدَ عنه الوزير جبران باسيل.

الرئيس برّي استهلّ الجلسة بالحديث عن ضرورة إنجاز ملف التعيينات في المجلس العسكري، وتمّ الاتّفاق على الأسماء وسط نقاش حادّ على أحقّية تعيين العميد سمير الحج الأرثوذكسي، فكانت كلمة للنائب سامي الجميّل اعتبَر فيها أنّ النقاش في الموضوع مضيَعة للوقت وأنّ الأنسَب هو في تعيين العمَداء الأكثر أقدميّة، وقد انسحَب الجميّل من الجلسة قبل انتهائها، متمنّعاً عن التصريح.

وقد أفادت المعلومات أنّ الاتفاق كان مبرَماً وقد خلصَ إلى المضيّ في التعيينات العسكرية التي من المقرّر أن تُحسَم اليوم في جلسة مجلس الوزراء إذا لم تَطرأ أيّ مستجدّات.

مشاركون في الجلسة الحوارية أبدوا استياءَهم من المواضيع التي طُرحت والتي تناوَلت ملفات عدة باستثناء رئاسة الجمهورية، ليعترضَ كلّ مِن الرئيس نجيب ميقاتي معتبراً أنّه من المفترض طرحُها على طاولة مجلس الوزراء وليس في جلسة الحوار، فيما أكّد الوزير بطرس حرب أهمّية طرح الملف الرئاسي على طاولة الحوار وليس بقية الملفات، خصوصاً بعد إصرار الرئيس فؤاد السنيورة على عرض نقاط عدة بدأها:

1 - بموضوع الإفراج عن الوزير السابق ميشال سماحة، وقد استفاض في مناقشة الحكم الصادر.

2 - الوضع المالي والاقتصادي وانخفاض سعر البنزين الذي سيكون له في رأيه ارتداداتٌ عكسية اقتصادية على لبنان.

3 - موقف النأي بالنفس الذي اتّخذه الوزير جبران باسيل في جامعة الدول العربية حيث انتقَده السنيورة بشدّة. ليساندَه نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي أمل أن يتوصّل مجلس الوزراء اليوم إلى «صيغة باتّفاق جميع اللبنانيّين لكي لا نعرّض مصالح اللبنانيّين في الخليج وفي المملكة العربيّة السعوديّة، تكون ضمن الموقف الذي يعبّر عن اقتناع الدولة اللبنانيّة».

وبعدما أنصَت باسيل إلى سردِ السنيورة وتعليق مكاري، شرَح للجميع سلوكَه في جامعة الدول العربية مبَرّراً موقفَ النأي بالنفس بأنّه سبقَ ونسّقه مع رئيس الحكومة وبأنّه مقتنع به.

وبَعدها انتقلَ السنيورة للحديث عن ملفّ النفايات، فأوضَح سلام أنّ هناك شركة جديدة تايلندية دخَلت على الخط، وأصحابُها متموّلون معروفون، مؤكداً أن خيار ترحيل النفايات سينطلق خلال اليومين المقبلين، فيما أفادت معلومات لـ«الجمهورية» أنه أبدى تخوّفاً من عدم الاتفاق في اليومين المقبلين على اسم الشركة التي سيُعقَد العزم عليها، لافتاً إلى أنّ الشركات التي تقدّم العروض أصبحَت كثيرة وكلّها تتنافس، فالنفايات ستدرّ الملايين.

فرنجية «يقرأ ويفرح»

باسيل كان منصِتاً خلال الجلسة، وكذلك فرنجية الذي لم ينبُس بكلمة لكنّه «كفّى ووفّى» عند انتهائها، فتكلّم بما قلَّ ودلّ. فاستبعد، تعليقاً على الرئاسة والتحالفات، أن يتغيّر مشهدُ جلسة 8 شباط المقبل عن سابقاتها، معلِناً أنّه سيقرّر إذا ما كان سيَحضر بعد التنسيق مع حليفه الأكبر «حزب الله».
وعن لقاء معراب، علّقَ فرنجية بالمَثل القائل: «إقرأ تفرح والباقي عندكم»؟

وأكّد أنّه لم يتمّ التطرّق إلى الرئاسة، لافتاً إلى أنّه لم يعرف لماذا لم يُثِر برّي موضوع الرئاسة في الجلسة التي مِن المفترض أن يكون بَند الرئاسة همّها الأوّل.

وأكّد فرنجية أنّه ما زال مصِرّاً على ترشيحه وأنّه ثابت عليه، غامزاً من قناة العماد عون: «الكلام الذي نقوله نلتزمه، ونَعتبره نقطة قوّتِنا، ربّما الآخرون يَعتبرونه نقطة ضعف لنا. موقفُنا ثابت، فعندما نكون موجودين في مشروع الجنرال عون كـ «plan B» يكون هو موجود كـ «plan A».

ورحّبَ فرنجية بعون إذا ما قرّر المجيء إلى منزله، قائلاً: «أهلاً وسهلاً بالجنرال، فهو يعرف أنّ بيتَه في بنشعي. إنّما إذا كان هناك +Plan A وليس plan B كما نَسمع فنحن نقول إنّنا نعمل في السياسة ومِش فاتحين جمعية خيرية».

وعن تبنّي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشيحَ عون، علّق فرنجية: «فلينتخبوه وليوصِلوه، لكنّني لم أفهم كيف ينسحب مَن معه سبعون صوتاً لمَن معه أربعون صوتاً»، لكنّ فرنجية تجاهلَ في المقابل الردّ على موقف «حزب الله».

ويبقى الطريف، المساءَلة التي استهلّ بها الرئيس برّي الجلسة التي لم تَخلُ كالعادة من نكاته المعبّرة، ولا سيّما عندما بدت على وجهه علامات التعجّب مستفهماً لماذا عطّلت المدارس أمس الأوّل، ليردّ عليه باسيل باللهجة نفسِها: «خوفاً على التلاميذ من ضربة شمس».

وبالفِعل غلب جو الطرافة والمزاح على نقاش المشاركين في الجلسة 14، فثمَّنوا النقاش في ما بينهم، وقيَّموا «بوستات» العطلة «الشتوية-الصيفية» التي كان بَطلها الوزير الياس بو صعب، متناسينَ بطلَ الرئاسة الأولى والمطلبَ الأهمّ، حتّى إنّ الرئيس برّي ضحكَ كثيراً على تعليقات المواطنين الذين أكلوا ضربة شمس يوم العطلة «الصيفية-الشتوية»، لكنّ «الضرب الأكبر أكله» اللبنانيون بعد تأكّدِهم من أنّ جلسات الحوار لم تُمهّد لإنتخاب الرئيس ولم تفَعّل عملَ الحكومة ولم تَجمع حتى الساعة النفايات.

وفيما تلهّى الأقطاب بالتلامذة، يبدو أنّ اللبنانيين «أكلوا طبخة البحص»، وما زال الطبّاخون يتحاورون، فيما حدّدوا موعداً جديداً في 17 شباط للطبخة المقبلة، وحتى يحين الوقت... هل تستوي؟