كان رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط يدرك عند تجديد ترشيح عضو «اللقاء» النائب هنري حلو لرئاسة الجمهورية أنّ الجميع سيفهم الرسالة بأقلّ الكلام. كاد جنبلاط أن يرتكب الخطأ الكبير يوماً ما لو سحب ترشيح حلو، ولو تمّ ذلك لما بقيت لديه أيّ ورقة لعبور المرحلة بأقلّ الخسائر. فما هي الظروف التي أملت عليه خطوته الأخيرة؟ ولماذا؟ التقى نواب «اللقاء الديموقراطي» أمس الأوّل في منزل جنبلاط في لقاء أُرجِئ الى الحدّ الأقصى من المهلة الذي لا بدّ منه ليسجّل موقفه النهائي المطلوب من ترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون وهو لم يقطع بعد الطريق أمام استمرار ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي كرّر تأكيد استمراره في المواجهة بعد ساعات قليلة على «لقاء معراب» ما جعل البتّ بالموقف النهائي ضرباً من الجنون.

فغالبية القوى التي كان عليها الإعلان عن موقفها من الإستحقاق لم تفعل بعد، وخصوصاً حليفاه رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري.

قبل إلتآم «اللقاء» كانت خريطة المواقف من ترشيح عون واضحة في ذهن جنبلاط. ففي ظلّ صمت «حزب الله» الناضح بما يكفي من كلام محظور وغير مُباح، كان الحريري عاتباً وقد استدعى قياديّي «المستقبل» الى الرياض للتشاور، فيما لم يخفِ بري رفضه ما حصل إذ إنّ حليف الحليف غير مرغوب به في السباق الى قصر بعبدا. أما حزب الكتائب الذي كان على تشاور معه فلم يكن قد قال كلمته.

وزاد في الطين بلة عندما تبلغ جنبلاط حصيلة زيارة موفده وزير الصحة وائل ابو فاعور الى الرياض والتي انتهت بنقل عتب القيادة السعودية على خطوة جعجع وتمسكها بترشيح فرنجية.

على هذه الخلفيات، أنهى جنبلاط فترة التريّث التي كان يستفيد منها لتقويم الموقف وقراءة المرحلة قبل أن يبني موقفاً حاسماً منها وهو ما أدّى الى تقصير فترة الإنتظار بتسجيل موقف يعتقد البعض أنه أعاد الإستحقاق الى ما قبل «المربّع الأوّل».

فعادت الى الواجهة ثلاثية الترشيحات، فانضمّ حلو مجدّداً الى اللائحة التي إستهلَّ بها الإستحقاق أولى جلساته في 23 نيسان 2014 والتي بقي فيها عون فيما إستُبدِل اسم جعجع بفرنجية.

قبل أن تصل الأمور الى هذه المرحلة كان جنبلاط يواكب السيناريو «الف» الذي انطلقت حلقاته مع تسمية الحريري لفرنجية في تشرين الثاني الماضي. ويقول العارفون بيومياته السياسية إنه كان قد أنجز تفاهماً مع بري والحريري على مواكبة خطوات الأخير فور تسميته فرنجية رسميا ليخوضوا معا المعركة نفسها.

ولذلك كان جنبلاط ينتظر ساعة الصفر التي رُبطت بتوفير الحد الأدنى من الإجماع على فرنجية في إطار تسوية وطنية قيل يومها إنّ لها مَن يحضنها بأبعادها الإقليمية والدولية.

وعندما فشلت كلّ المساعي في توفير الحدّ الأدنى من التسوية وبقي حزب الله على صمته، سقطت الحلقات اللاحقة للسيناريو والتي كانت إحداها تقضي بجمع «اللقاء الديموقراطي» لسحب ترشيح حلو لمصلحة فرنجية، انتقل جنبلاط الى السيناريو «ب» تزامناً مع دخول الإستحقاق حقلَ ألغام زاد من مخاطره ترشيح عون في خطوة لا يمكن أن يتوافر لها أيّ من الموجبات الميثاقية بمجرد تمسك الحريري بترشيح فرنجية شرط أن يبقى الأخير في الموقع الذي إختاره فلا يسقط في تجربة التنازل أمام عون إذا سجّل خرقاً ما في جدار 14 آذار.

ولذلك كلّه فضل جنبلاط العودة الى الوراء بتجميد كلّ الخطوات عبر إعادة التذكير بأنّ لديه مرشحاً ما زال مستعداً لخوض السباق الرئاسي لما يمثله من اعتدال ما يوحي أنّ البديل من بقائه الى جانب فرنجية ليس تأييد ترشيح عون إنما العودة الى المرشح الوسطي والتوافقي الذي يشبه حلو.

ومن هذه المعادلة بالذات يمكن تفسير موقف «اللقاء الديموقراطي» الأخير الذي يكشف أنّ الترحيب بالمصالحة المارونية ـ المارونية ليس صادقاً لأنّ هذه المصالحة أحدثت لدى جنبلاط نقزة كبيرة لا يمكنه تجاهلها وستدفعه ليكون رأس حربة في مواجهة ترشيح جعجع لعون لكنه لا يستطيع خوضها على المكشوف لألف سبب وسبب، الأمر الذي سيدفعه الى خطوات أكثر وضوحاً مستقبلاً، لأنّ المواقف المتردِّدة لن يكون لها مكانها في القريب العاجل وتحديداً متى آن أوان تحديد المواقف النهائية الملزمة من الإستحقاق والتي لا عودة عنها.