لم يكن تقاعد العميد شامل روكز سوى نقطة على سطر.. توطئة للانتقال الى سطر جديد. بهذا المعنى، فقد غادر روكز مغاوير الجيش ليلتحق بمغاوير السياسة، على قلتهم.

ولعل المتوجسين منه، خصوصا في المراحل الاخيرة من خدمته، ساهموا عن غير قصد في الترويج له وتلميع هالته، بعدما حوّله اعتراضهم على تعيينه قائدا للجيش، الى "رمز" يتخطى تأثيره المؤسسة العسكرية وحتى "التيار الوطني الحر" الى مدى أوسع.

يدرك العميد المتقاعد انه صنع عبر مراحل خدمته العسكرية رصيدا شعبيا كبيرا، ويعرف ان محبيه والمراهنين عليه ينتظرون منه دورا مفصليا في الحياة المدنية لا يقل شأنا عن ذاك الذي أداه في الجيش.

لكن روكز الذي يتقن فن الصمت والصبر، يتجنب الاستعجال وحرق المراحل في مغامرته الجديدة، مفضلا ان يختار، هو، شكل «التحول» وإيقاعه، من دون التأثر بضغط المناصرين الذين يأخذون عليه تأخره في اقتحام الأضواء وانتزاع المواقع السياسية والاعلامية التي تتناسب وعناصر قوته.

يفضل روكز من ناحيته ألا يكون مجرد صوت في "جوقة الثرثرة"، متجنبا الانزلاق الى ضجيج اللعبة الداخلية وصخبها، كأنه يريد ان يحمي «أسلحته» من خطر الاستهلاك وفقدان الجدوى، وان يختار بدقة وجهة استعمالها وتوقيته، وهو الذي يعرف ان التقدم فوق تضاريس السياسة اللبنانية المعقدة، أصعب بكثير من التقدم على أرض المعركة في الميدان.

لا يعني ذلك ان الرجل منكفئ، بل هو ينتقي الأدوار في هذه المرحلة ويتحرك بتأنٍّ وتروٍّ، سواء على الارض حيث يتفاعل مع "جمهوره" بأشكال عدة يبقى معظمها في الظل، او على مستوى كواليس السياسة التي بدأ يتعرف اليها من خلال "عمليات إنزال" موضعية كلفه بها الجنرال ميشال عون وكشفت عن كفاءة لديه من شأنها ان تؤهله لمزيد من المهمات الخاصة مستقبلا.

وأول النجاحات او الاختراقات التي حققها روكز تمثل في تمكنه من كسر الجليد بين عين التينة والرابية، عبر "ديبلوماسية المغاوير" التي قادها على خط الرئيس نبيه بري - ميشال عون مؤخرا، حيث استطاع إيجاد ارضية لمعالجة بعض نقاط التباين بينهما ولتنظيم الخلاف حول أخرى، خصوصا ان رئيس المجلس الذي يطمئن الى روكز ويثق فيه، تعامل معه بايجابية وانفتاح وأظهر قدرا من المرونة لتسهيل مهمته.

تفادى روكز خلال مسعاه "الكاتم للصوت" الخوض في تفاصيل الملفات العالقة، لا سيما التقنية منها، تاركا امر بتها لأصحاب الاختصاص، ومفضلا التركيز على القيام بأعمال الصيانة الضرورية التي تحتاج اليها البنية التحتية لعلاقة "الاستاذ" و "الجنرال"»، وصولا الى إعادة تأهيل القواعد الناظمة لها.

ولعل أهم ما استنتجه روكز من حراكه على خط الرابية - عين التينة هو ان خلافهما ينجم في أحيان كثيرة عن "سوء تفاهم" وليس عن "سوء نية"، وغالبا بسبب خلل ما في التواصل، أو إحاطة ناقصة بموقف الآخر.

وهكذا، كان يكفي القائد السابق لفوج المغاوير ان يقدم بعض الشروحات والايضاحات، في سياق "وساطته"، حتى يزول جانب من التباينات التي كانت تبدو في الشكل مستعصية، قبل ان يتبين له ان مضمونها أبسط مما هو ظاهر، وقابل للمعالجة بأقل جهد ووقت.. شرط الا يكثر الطباخون.

وأبعد من الدور السياسي المباشر، يأمل روكز في ان تتهيأ امامه الظروف التي تسمح له بتطوير المؤسسة العسكرية وإعادة تكييفها مع طبيعة التحديات التي تواجهها، وفق مشروع "شامل".

وإذا كان روكز يتفادى ان يطلب شيئا لنفسه، إلا ان الارجح ان وزارة الدفاع هي أقصر الطرق التي يمكن ان تقوده نحو تنفيذ هذا المشروع الهادف الى تفعيل قدرات الجيش وترشيق حركته، بالارتكاز على معادلة مركبة، قوامها: "كلفة أقل وجهوزية أكبر".

وعلى أساس هذه القاعدة، يعتبر روكز - كما ينقل زواره عنه - ان الجيش ليس بحاجة الى زيادة كمّية في الاسلحة التقليدية، لافتا الانتباه الى ان المساعدات التي تحصل عليها المؤسسة العسكرية في إطار الهبات او غيرها، لا تفي بالغرض المنشود، وانما المطلوب بالدرجة الاولى مدّها بأسلحة نوعية ومدروسة تلبي متطلبات المواجهة مع خطرَين محوريَّين هما: العدو الاسرائيلي والتهديد التكفيري.

واستنادا الى هذه الفلسفة القتالية، يشدد روكز على ضرورة تحديث تركيبة الجيش واسراتيجيته العسكرية، واخضاعهما الى مقاربة مغايرة لتلك المعتمدة منذ زمن طويل، وصولا الى تعزيز قدرته العملانية على التصدي للارهاب واسرائيل، وفق نمط قتالي مرن يتمايز عن القواعد الكلاسيكية للجيوش النظامية.

ومطمئنا الى رصيده المتراكم في "البيئات اللبنانية"، يبدو روكز متحمسا لخوض الاختبار الشعبي، بـ "الذخيرة الحية"، عبر نيته المبدئية الترشح الى الانتخابات النيابية، متى حصلت، "لان هذا الاستحقاق الديموقراطي من صناعة الناس القادرين وحدهم على منح الشرعية لهذا او ذاك".