الإرهاب لا يتوقّف عند شخص، بل هو استمرارية لمشاريع سياسية. لكنّ الإنجازات الأمنيّة للمؤسسة العسكرية التي قضَت بالإمساك بمعظم المشغّلين والمخطّطين للتفجيرات الإرهابية التي حصلت، طوّقَت الحالة التي كانت ستتوسّع لتصل إلى إعلان إمارات، وحَجَّمت من حركة التطرّف بشكل متقدّم. نعيم عباس الإرهابي الأجرأ، مسيرة ظلام متشعّبة... إعترافات كثيرة يُثني خلالها على أهمّية بعض الأشخاص، من بعده طبعاً، من حيث الإجرام والخطورة.

وإذا كان عباس يرى في نفسه الرقم الاول، فالرقم الثاني كما يقول هو حسين الزهران الذي يبلغ من العمر 27 عاماً من عرب الناعمة (مسؤول عن سيارة الناعمة) وهو هرَب الى سوريا مع سراج الدين زريقات.

«الانتحاري والانغماسي»؟

إهتمّ نعيم عباس بتوزيع الأدوار ليكتمل المشهد الإرهابي. فـ«الشباب» يتناغمون بعملهم. الانتحاري يتقدّم من الهدف ويُفجّر نفسَه. يدخل بعد ذلك «الانغماسي» ليطلق الرصاص عشوائياً على المواطنين الذين من المفترض أن يتجمّعوا في مكان الانفجار وبَعدها يُفجّر نفسَه.

عودة عباس إلى لبنان

عاد نعيم عباس الى لبنان من سوريا وتوجّه الى مخيم عين الحلوة. وفي تاريخ 20-12-2013 نزل الى بيروت واستأجر شقة في شارع عفيف الطيبي في الطريق الجديدة من شخص سوري يدعى أبو عبدو بقيمة 1500 دولار شهرياً.

في اليوم نفسه توجّه الى صبرا حيث كان أحمد طه قد أرسل الى هناك سيارة جيب «شيروكي» زيتية بناءً على توجيهات أمير «داعش» ابو عبدالله الموجود في يبرود. وجَد عباس السيارة وعَرَّف عن نفسه بأنّه صاحبها، وقال لعامل الموقف إنه سيبقيها لمدة 15 يوماً إضافية.

أخَذ المفتاح من تحت السجادة وتوجّه الى منطقة جلالا في البقاع بسيارة تاكسي الى ابو الفاروق في الجامع، وذلك في حضور عمر الاطرش، وعَلم منه أنّ «جبهة النصرة» تحتاج إليه وتريد أن يعمل معهم، وقد طلب منه الذهاب الى سوريا للتفاهم معهم. وافقَ نعيم عباس وتمّ الاتفاق على أن يعود الى بيروت لإحضار هوية سوريّة ثمّ يعود مباشرةً إلى عرسال.

أبو الفاروق كان يتواصل مع أبو صهيب من «النصرة» وأعطاه أوصافَه ولقّبه «ابو خالد». وقد ارتدى جاكيت سوداء وكنزةً رمادية وحمل قَلمين أحمر وأزرق كعلامة، وحدَّد له ساعة وصوله.

وصَل نعيم عباس الى عرسال حيث انتظره شخص من قبَل «أبو صهيب» بسيارة «بيك اب تويوتا» نَقله عبر طرق جبلية، من دون حواجز- وأوصَله الى يبرود، حيث قابلَ ابو صهيب والسوري ابو خالد مسؤول «النصرة» هناك، فطلبَ منه الاوّل إنشاءَ مراكز للجبهة في لبنان وأنّه يمكنه إرسال سيارات مفخخة له، وإنّ المسؤول عن ذلك هو ابو خالد، وقد كانت الأوامر تقضي بالعمل السريع واستهداف حزب الله...

التحضيرات اللوجستية

تَحمَّس نعيم عباس للأعمال الإرهابية، وقال لأبو خالد إنّ لديه معرفة بالضاحية الجنوبية، ولديه شاباً يساعده بالمخيم. فأبلغه حينها أنّ لديه سيارة جاهزة «لا ينقصها شيء» وسيُرسلها عبر ابو الفاروق على أن يستضيف عباس الانتحاريين عنده.

سأل ابو خالد نعيم عباس عن الأهداف المباشرة لـ«حزب الله» التي يمكن ضربها، فقال له أنْ لا مواقع عسكرية للحزب لضربها، لكنّ هناك أهدافاً اجتماعية ومؤسساتية مثل مدارس المهدي ومقر الأمانة العامة وقناة «المنار» الأولى والثانية، وهكذا يتمّ استهداف الحزب مباشرةً.

الأهم في عمل نعيم عباس كان ازدواجيته. فهو مثلاً لم يَذكر لهم السيارة المفخّخة الموجودة في موقف صبرا كونها لأبو عبدالله العراقي.
في اليوم التالي، أخذ هاتفاً من ابو معن مسؤول الإعلام لديهم واتصَل بأحمد طه الذي فوجئ بوجوده في سوريا واتفَق معه على أن يلتقيَه في يبرود.

وهناك طلبَ عباس من طه مقابلة ابو عبد الله العراقي مسؤول « داعش»، وأخبَر طه أنّه كان عند «جبهة النصرة» وسيُساعدهم لكنّه طلب منه ألّا يذكر ذلك أمام ابو عبدالله. طمأنَ عباس الأخير إلى أنّ السيارة المفخخة جاهزة ويبقى اختيار الانتحاري، فوَعده ابو عبدالله بتأمينه.

وقد أعطى أحمد طه مبلغ أربعة آلاف دولار لعباس الذي سيعود الى بيروت، وقبلَ مغادرته يبرود ذهبَ الى «جبهة النصرة» وقبضَ من ابو خالد مبلغ 2000 دولار.

تجهيز الانتحاري «أبو قتيبة »؟

عند وصوله اتّجَه عباس الى الموقف حيث السيارة، بعدما كان اتصَل بمحمد جمعة الموجود في عين الحلوة وطلبَ منه إرسال أمين عثمان لملاقاته. جاء عثمان لكنّ المفاجأة كانت بأنّ المفتاح يَعمل على الباب ولا يَفتح «الكونتاكت»، فذهب الى شخص يصبّ مفاتيح واصطحبَه مقابل مبلغ 100 دولار، حيث صبَّ المفتاح وعاد الى عين الحلوة من دون أن يحرّكها.

في عين الحلوة تواصَل عبر «السكايب» مع ابو عبدالله وأبو الوليد وأبو خالد. أعطاه ابو عبدالله البريد الإلكتروني العائد الى الانتحاري الذي سيُفجّر نفسَه بسيارة «الشيروكي».

تواصَل عباس معه وعلم أنّ اسمَه هو «ابو قتيبة» من وادي خالد، وأرسَل إليه صورتَه عبر «السكايب»، واتفَق معه أن يلتقيَه في اليوم التالي عند العاشرة قبل الظهر، على أن يحمل قلمين أزرق وأحمر كعلامة، وقد التقاه في الوقت المحدّد في جامع حمزة في منطقة الكولا واصطحبَه إلى شقّته. وبعدما ارتاحَ لبعض الوقت اصطحبَه إلى جامع الخاشقجي ودخَلا إلى المقبرة قرب شاتيلا، حيث شرحَ له طريقة الوصول الى الهدف ورافقَه للدلالة على الطريق، وكان قد اصطحبه الى الموقف حيث السيارة وأرشده إليها.

الطريق نحو حارة حريك

وظهرَ اليوم التالي، نزل وإيّاه إلى الموقف وأخرجَ السيارة وأوقفَها في مكان قريب من شركة الكهرباء في قصقص عند الشارع العام، وكان الانتحاري «ابو قتيبة» هو الذي يقودها.

أبلغَه نعيم عباس أنّه سيَسير وإياه مجدداً على الطريق نفسِها التي سيسلكها أثناء التفجير وسيتركه عند جسر المطار، وعليه أن يصل الى حاجز الجيش بعد أن يأخذ مفرقَ الغبيري، وإذا أوقفَه حاجز الجيش عليه ألّا يتوقف ويحاول الهروب في اتّجاه اليمين إلى حارة حريك.

الأهمّ أنّ نعيم عباس أكّد لأبو قتيبة أنّ التفجير بهذا الشارع أو بالطريق الرئيسة في الغبيري ممنوع وأنّه يجب أن يكونَ قرب مقرّ الأمانة العامة لـ«حزب الله»، إلّا إذا اضطرَّ فإنّ هذا الأمر يكون خارجاً عن إرادته.

وبالفعل قطَعا الطريق سيراً، استطلاعاً، ومرّا قرب حاجز الجيش ليَحفظ الطريق وعادا إلى مكان السيارة. وقد قدّم عباس الشرحَ الوافي له عن طريقة تشغيل التفجير واشترى له بطاريتين 9 فولت لتصبحَ الدارة جاهزة على ألّا يركبَها إلّا عندما ينطلق.

دخلَ أبو قتيبة الى الجامع وأمضى بعضَ الوقت، وعند الساعة الرابعة إلّا عشر دقائق جاء إليه عباس وسأله: «شو جاهز»؟ فردّ بالإيجاب، وعندما عرضَ عليه إمكانية التراجع عن تنفيذ العملية قال له أبو قتيبة: لو أنّ التنفيذ كان البارحة ليس لديّ مشكلة! وعلى بركة الله.

عاد نعيم عباس إلى صيدا عبر فان من الكولا وتَرجّلَ ودخلَ إلى المخيّم عبر الزواريب حتى وصَل الى منزله، وبعد قليل سمعَ عبر التلفزيون عن انفجار حصَل قرب الأمانة العامة للحزب والمكتب السياسي في حارة حريك في الشارع العريض.

«النصرة» تسأل عن التفجير الأوّل وتنفّذ الثاني؟

مساءً تواصَل نعيم عباس مع أبو خالد في يبرود الذي سأله عن العملية، فأخبره عباس أنّها للدولة الإسلامية «داعش» وأنّه ساعَدهم فيها! طمأنَه ابو خالد: نحن مستمرّون وإنْ شاء الله سنرسل لك سيارة مع ابو فاروق. وفي تاريخ 15-1-2014 استلمَ من ابو فاروق سيارة «كيا سبورتج» مفخّخة زجاجُها داكن، تمّ لاحقاً نزعُه منها وركنها في موقف صبرا.

وعندما أصبحَت جاهزة طرأ تفجير الهرمل، فكان أن تمّ التريّث في إرسال الانتحاري. كان هاجس ابو فاروق من إيجاد السيارة عالياً إذ عُمّمت مواصفاتها على الحواجز الأمنية وطلبَ من نعيم عباس إدخالَ تغييرين في لوحتها وفي لونها، لكنّه جاوبَه باستحالة ذلك وأنّ المخرج هو التخلّص منها عبر إرسال الانتحاري وتفجيرها.

الانتحاري تَجهَّز وانطلق من عرسال صباحاً قبلَ يومين من التفجير، والتحضيرات التي حصلت مع ابو قتيبة في المكان والعلامات حصَلت هي نفسها مع الانتحاري السوري محمد حسن مدللة الذي لاحَظ نعيم عباس من خلال الكلام معه أنّه كان حاضراً عندما جرى تجهيز السيارة وتفخيخها.

حان وقت التفجير في 21-1-2014 وذلك في الشارع العريض لحارة حريك، وكالعادة سمعَ نعيم عباس بالخبر في عين الحلوة. تواصَل مع ابو خالد وشرحَ له طريقة التنفيذ، فأبدى سرورَه، إذ إنّ السيناريو نفسَه في التفجير الاوّل حصل في التفجير الثاني.

لكن بجهات وأسماء مختلفة لكنّها تجتمع على الإرهاب بكل أشكاله. بعد التفجير تواصَل نعيم عباس مع ابو عبدالله العراقي الذي سأله عن المسؤولين عن العملية لكنّ عباس نفى مسؤوليته عنها.

متفجّرة الهرمل؟

أمّا متفجّرة الهرمل التي حصلت بتاريخ 1-2-2014 فلم يكن نعيم عباس مسؤولاً عنها، إلّا أنّ «جبهة النصرة» وتحديداً ابو خالد كان وراءها.
نعيم عباس لم يكتفِ وطموحاته بإرضاء «جبهة النصرة» «وداعش»، وتوسّعَت فواصل تخطيطه وإرسال السيارات المفخّخة والانتحاريين؟


في الأسبوع المقبل

كيف أخفقَ نعيم عباس بتفجير المواقع المستهدفة وأبرزُها «المنار»؟
ماذا عن انتحاري الشويفات وما هي ظروف إخفاقه في الوصول إلى الهدف المحدّد؟
كيف تمّ التواصل مع جمانة حميد؟