دخل زورقان حربيان أمريكيان المياه الإقليمية الإيرانية قرب جزيرة " فارسي" الواقعة بين إيران وبين المملكة السعودية بقرب الكويت، يوم الثلاثاء الماضي قامت قوات سلاح البحر التابع للحرس الثوري الإيراني بضبطهما واعتقال  10 ملاحين أمريكيين كانوا على متنهما واقتيادهما إلى مقرهم في جزيرة فارسي والتحقيق معهم ليتبين بأن عطلاً حصلت في جهازهما مما اضطرا للدخول إلى المياه الإقليمية للجمهورية الإسلامية، ثم قامت قوات الحرس الثوري بإطلاقهم في المياه الدولية.  

تخللت هذين الحادثين -الاعتقال والإفراج- أحداث مهمة للغاية منها أولا: تصحيح صورة الحرس الثوري الإيراني عند من يروّج بأنه قوة إرهابية وقمعية وتبيّن بأن الحرس الثوري ليس هكذا، ولا يريد استغلال أخطاء الآخرين وأن مهمته الأساسية عبارة عن الدفاع عن السيادة الإيرانية على كامل أراضيها وإنه قوة قابلة للتفاوض وتابعة لقواعد العقل والمنطق.

  يمكن فهم هذه الحقيقة بمقارنة بسيطة مع كيفية رد قوات حرس الحدود الأذربيجانية التي أطلقت النار على جندي إيراني من حرس الحدود لإيراني دخل الأراضي الأذربيجانية خطأ قبل عام ما أدى إلى مقتله ولم تعترض إيران على هذا التصرف الوحشي من دون توجيه إنذار له.

  أما الحرس الثوري الإيراني وبالرغم من جميع معارك دارت بينه وبين قوات أمريكيين في الثمانينيات وأدت إلى مقتل جنود إيرانيين في نفس المنطقة ولكن تصرف بحكمة وعقلانية وحرفية وعند ما استمعت إلى مقابلة التلفزيون الإيراني مع الأدميرال علي فدوي قائد سلاح6 البحر للحرس الثوري يوم الخميس شعرتُ وكأنه يتكلم بمنطق محمد جواد ظريف وبنفس الهدوء والاتزان والديبلوماسية وكان ردّه أكثر هدوءً من لهجة المقدم التلفزيوني الذي كان يحاول تسخين الموضوع أكثر من اللازم ولكن الأدميرال كان يردّ عليه بأعصاب باردة ويؤكد على أن ما حصل ليس أكثر من حالة طارئة ولم يكن دخول المياه الإقليمية الإيرانية متعمد ومقصود وأن تحقيقاتنا أثبتت بأن هناك عطلاً فنية أدت إلى دخول الزورقين المياه الإيرانية.  

أما الموضوع الآخر الذي تخلل الحادثين هو المفاوضات المكثفة التي دارت بين وزير خارجية أميركا جان كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف مما يعني بأن هناك علاقات سياسية -ديبلوماسية مباشرة بين البلدين بالرغم من إغلاق سفارتيهما منذ 37 عاماً ولكن الجديد في الموضوع هو أن المفاوضات النووية بين البلدين فتحت خطوطاً للاتصال تعدت الموضوع النووي وتوحي بأن لم يعد هناك قلق لاستمرار المقاطعة الإيرانية - الأميركية السياسية، إذ إن خطوط الاتصال بين كيري وظريف مفتوحة باستمرار بعد مفاوضات فيينا، ولهذا ليس هناك حاجة بتوسط أي وزير خارجية آخر بين ظريف وكيري.

  وهذا على عكس ما يجري الآن بين ظريف ونظيره السعودي عادل الجبير، فهل يبقى مجال للتعويل على استمرار العداء بين إيران وأميركا بعد المغازلة التي حصلت بين الطرفين في الحدود البحرية بين إيران والسعودية؟ ينبغي أن يعرف العرب بأن بوصلة الزوارق الأميركية غيّرت اتجاهها نحو جزيرة فارسية!