شكل إتفاق الطائف عام 1989 نهاية للحرب الأهلية اللبنانية وبداية لمرحلة السلام والمصالحة الوطنية وإعادة بناء الدولة والإعمار. عكس هذا الإتفاق ميزان قوى جديدة في البلد، فالمشهد أصبح مختلفا جذريا عما كان عليه عام 1975.

من مارونية سياسية مسيطرة ومهيمنة على القرار السياسي إلى ثنائية شيعية سنية يردفها زعامة درزية وغطاء غير شعبي مسيحي لتسيير دفة الحكم  وإدارة البلاد. وكان واضحا التهميش الهائل الذي لحق بحقوق المسيحيين. مرت مرحلة إتفاق الطائف منذ بدايته إلى يوم إغتيال الرئيس رفيق الحريري بشبه إستقرار سياسي وأمني وإقتصادي في ظل  الوصاية السورية على البلد والتي كانت متقاطعة مع مصالح العديد من حكام البلد.

ولم يكن هذا الإستقرار سببه نجاح إقتصادي شامل أو مؤسساتي وإداري أمنه الطائف بل مرده إلى قبضة مافياوية أمنية متسلطة من نظام الوصاية وشركائها. أمن الطائف لهذه القبضة شرعية لوقف النار الذي لم يكن مفخرة له كإنجاز وحيد بل سببه التوافق على الإستقرار تحت ظل إتفاق هو مجرد عنوان إسمي لإدارة دولة شبه ساقطة تحكمها لعبة الصفقات والسمسرات كهدنة طويلة الأمد لتحقيق ما يمكن تحقيقه.

لم أؤمن بحياتي بأن إستقرار أي بلد على المستوى الأمني هو نجاح لسلطة هذا البلد. معاييري مختلفة للنجاح وهي الإصلاح السياسي ومنظومة العلاقات بين الأطراف السياسية وقانون الإنتخابات والديمقراطية والحريات والنمو الإقتصادي. حقق إتفاق الطائف بعض هذه المعايير وكان مجحفا في أشياء أخرى خصوصا على المستوى المسيحي.

لكن الطائف كإتفاق مكتوب على الورق كان صالحا لبناء دولة قوية بمؤسسات قادرة كهدف نهائي لهذا الإتفاق فالإتفاق يتخلله ما يشبه المرحلة الإنتقالية لاحقا لدولة لا أريد تسميتها بالمدنية بل دولة تلغى فيها الطائفية السياسية. قد يكون الهدف غير طموح ولكنه عملي وواقعي وجيد جدا لبلد كلبنان تتداخل فيه الطائفية بتفاصيل حياة اللبناني.

فالطائف كنص ليس مقدسا، وعند تواجد النيات لتطبيقه سيكون قابلا لتعديل بعض النقاط من هنا وهناك ليوافق بعض المتغيرات وقد يكون مرحلة تأسيسية وتمهيدية لإتفاق نهائي وشامل وجريء حول الدولة المدنية.

والسؤال هنا: هل فشل الطائف؟ والجواب هو بسؤال: هل طبق الطائف بحذافيره لكي نحكم عليه بالفشل أو النجاح؟! أين  مجلس الشيوخ وقانون الإنتخابات وإلغاء الطائفية السياسية والإصلاح الإداري؟ لماذا خرق إتفاق الطائف تارة بالتمديد للعهود الرئاسية وطورا بالتمديد للوصاية السورية؟ فالطائف لم يطبق وهنا مكمن الخطر.

فما الضمانة بأن يطبق إتفاق آخر لو إستبدل الطائف؟ هل الضمانات الدولية أو النوايا اللبنانية؟ فكلاهما كانا موجودان في عهد الطائف ولم يساعدا على تنفيذه بل كانا تبريرا لقتل الطائف رويدا رويدا.

لقد أعطى إتفاق الطائف رؤية أولية عن دولة مدنية ولو أنها ليست واضحة بمعنى أن الطائف إمتلك رؤية تصاعدية وبالتالي أي إتفاق آخر يتراجع إلى الحضيض الطائفي ويمتلك رؤية تنازلية هو مشروع هدم للكيان اللبناني وعودة سنوات ضوئية إلى الوراء. فالمثالثة  هي رؤية تنازلية لفلسفة الكيان اللبناني، هي حسابات على مستوى أشخاص لا كيان تؤمن مصالح آنية ولا تقدم حلا جذريا كذلك الفيدرالية هي إنغماس أكثر في وحول ومشاريع متطرفة تهدم النسيج الوطني فإذا نجحت الفيدرالية في أميركا لا يعني أنها تنجح في لبنان. المناطقية والطائفية وهما منفصلان هدم لكيان نهائي لبناني.

لذلك وفي الوقت الحالي يبقى الطائف حلا مقبولا للأزمة اللبنانية مع بعض التعديلات بما يخص المسيحيين  فهو إستوعب كلا المناطقية والطائفية في أدبياته وفتح أملا لرؤية تصاعدية نحو دولة مدنية.

وهنا لا بد من تحميل المسؤولية للجميع، فقد ظلم إتفاق الطائف من الكل، فالمدافعون عنه قدموا إستسلامات لا تنازلات تناقضه لمصالح خاصة والمعارضين له شوهوه ولم يساعدوا على تطبيقه مع أنهم مارسوا السياسة في ظله. والأزمة ستبقى أزمة. وعليه،أي بحث عن مؤتمر تأسيسي جديد وبديل لا بد أن يكون هدفه دولة مدنية ومن مراحله إتفاق الطائف. ليس حبا لإتفاق الطائف بل تقبلا للواقع السياسي. إتفاق الطائف سيبقى ممر إلزامي لأي رؤية مستقبلية، ونجاح هذه الرؤية مرتبط بتطبيق الإتفاق أولا.