يعتقد البعض أنّ الحدّ الأدنى من الهدوء الذي يعيشه لبنان يُشكّل مفاجأة سارّة، لكنّ الحديث عن ضمانه، يدفعه الى البحث عن المؤسسات الدستورية والإدارية فلا يجدها، فتُلقى التبعات على المؤسسات الأمنية والعسكرية وقادتها التي تستظلّ الرعاية الإقليمية والدَولية. وهو ما يطرح السؤال: الى متى يمكن أن يستمرّ ذلك وهل تنتهي القصة بإنتخاب رئيس للجمهورية. كيف ولماذا؟ عند البحث في هذه المعادلة السياسية والأمنية بكامل معطياتها وخلفياتها الإقليمية والدولية والنقاش الدائر في نتائجها بناءً على مجريات الحرب السورية وتداعياتها على أمن دول الجوار السوري، كان مرجع أمني رفيع يقرأ التطورات في خريطة أمنية وسياسية معقدة جعلت منطقة شرق المتوسط امتداداً الى الخليج العربي قرية واحدة تداخلت فيها العوامل الدينية والمذهبية مع المصالح الإقتصادية والأمنية فجعلتها كتلة واحدة.

تزامناً كان بعض اللبنانيين يراقب ما تشهده هذه البقعة الواسعة من العالم قياساً على حجم الإنقسام المذهبي ما بين السنّة والشيعة، حتى بات لبنان في صلب هذه المعادلة بعدما أصرَّ البعض على أن يكون حاضراً فيها بكلّ جوارحه وما يمتلكه من قوة عسكرية وأمنية وسياسية وإعلامية على رغم كلّ الجهود التي بذلت في حينه ليبقى لبنان في منأى منها.

فتراجعوا عن موافقتهم على كلّ مشاريع تحييد لبنان وسخّفوا النصائح الدولية الصريحة التي دعت الى عدم تفويت المهل الدستورية لإنتخاب رئيس للجمهورية بلعبة داخلية بحتة، إذ إنّ العالم منشغل بملفات أكبر من الإستحقاق الرئاسي وحتى لا تنعكس تناقضات المنطقة على لبنان فيستحيل الأمر على النحو الذي بات قائماً اليوم.

كانت النصائح الدَولية واضحة وصريحة الى درجة أنها حذّرت من أنّ البعض قد ينجح في حال عدم التزامها، في ربط الساحات ليكون لبنان إحدى ساحات المواجهة المفتوحة بين مجموعة القوى العسكرية والإقتصادية والمالية الكبرى التي تشارك في القتال في سوريا، كلٌّ على طريقته وبإمكاناته وبما أُتيح له من قدرات.

 

 

جوج شاهين

يستذكر المرجع الأمني تلك المرحلة ليشير الى أنّ مساعي التحييد لم تكن تستهدف دور «المقاومة الإسلامية» ووحدات من النخبة في «حزب الله» في سوريا. وهي كانت فكرة لمواجهة التردّدات السلبية لمجموعة من الأحداث المتفرقة شكلت مظهراً متواضعاً من مظاهر التدخل الفردية وعن طريق مجموعات صغيرة يغرّر بها، واقتيد بعضها الى القتل في خدعة تلوَ أخرى فسلمت مجموعات منهم الى مكامن نصبها لهم الجيش السوري كما حدث في تل كلخ السورية حيث قضى أكثر من 23 شاباً لبنانياً دفعة واحدة، وقبل أن يكشف «حزب الله» عن حجم تدخله في سوريا.

ومن هذه النقطة بالذات، يمكن فهم رفض البعض كلّ مشاريع الفصل بين الوضع في لبنان والأزمة السورية بعدما باتت تهدّد أدواراً كلفت بها قوى لبنانية كبرى دخلت الحرب السورية وغيرت في مجراها ومنعت سقوط النظام السوري في أكثر من منطقة ومحور، قبل أن يتدخل الروس داعمين هذا النظام، فكانت بداية التحوّلات الكبرى في لبنان التي لم تنعكس على الأمن الداخلي، فبقيَ خطاً أحمر لأسباب ودوافع كثيرة.

عند هذه المعطيات يؤكد المرجع الأمني أنّه وعلى رغم هذه التحوّلات في المنطقة وسوء العلاقات على خط الرياض - طهران عقب أحداث طهران ومشهد إعدام الشيخ نمر النمر في السعودية، بقيَ لبنان محمياً بالمظلة الدَولية والإقليمية، ولا خوف من أيّ اهتزاز محتمل يخفف من قوة هذه الحماية ومناعتها إطلاقاً على رغم الحديث عن مخاوف من تراجعها وإمكان إزاحتها عن السماء اللبنانية.

وعليه، يؤكد المرجع الأمني أنّ الأمن ممسوك وهو ما انسحب على موقف رئيس الحكومة تمام سلام في كلامه لـ«الجمهورية» أمس. ويضيف: «الأمن في لبنان لم يعد أمناً داخلياً يتّصل بقدرات المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، بل بات مطلباً إقليمياً ودَولياً تُكرّسه الوقائع يومياً مع إسقاط احتمال واحد عن قدرة شبكات كبرى تخطط لإغتيالات فرديّة لا يمكن لأحد ضبطها في العالم».

ويسأل المرجع: «ألم يتنبّه اللبنانيون الى أنّ لبنان تحوّل مستودعاً للاجئين ومعبراً لكلّ الحلول المجتزأة والمرحلية على الساحة السورية وهو ما يضمنه آمناً طالما بقي حاجة لهذا الغاية والى ما شاء الله؟»، مضيفاً: «عندما يتصل الأمر بتفاهمات أمنية وعسكرية كبرى بإدارة أمميّة وتوافق دولي لن يسأل أحد في غياب رئيس الجمهورية عن المؤسسات الدستورية كما حصل يوم تنفيذ تفاهم الزبداني - الفوعا وكفريا، ليس تجاهلاً لها أو رغبة في عدم الإعتراف بها، إذ إنّ دينامية هذه التفاهمات تفرض حضور المؤسسات السياسية والدستورية موحَّدة الموقف والتوجّهات وبنحوٍ مرن، فيسألون عنها في الشكل المطلوب فلا يجدونها، ليس لسبب سوى أنها مفقودة».