عام 1988 استقبل العماد ميشال عون الدكتور سمير جعجع في وزارة الدفاع، فقطعا الطريق على قمة اللحظة الأخيرة بين الرئيسين أمين الجميل وحافظ الاسد، وخلال ذاك العام الحافل تكرّر التقاء الرجلين، فعطّلا بالتكافل والتضامن انتخاب الرئيس السابق سليمان فرنجية، وعطّلا تسوية مخايل الضاهر، وكان الفراغ الذي أنتج حربَين مدمّرتين. واليوم يستعد عون وجعجع للقاء في معراب، إلّا إذا طرأ طارئ، ويمارسان قوة التعطيل بالتكافل والتضامن، منعاً لوصول أيّ اسم آخر.
واذا كانت لكلٍّ منهما حساباته المختلفة والمتناقضة، فإنّ النيات المشترَكة التقت على رفض المبادرة الرئاسية، لكنها لم تكتمل، وربما لا تكتمل، بترشيح جعجع لعون كما يأمل الاخير الذي يجد في هذا الترشيح، ايذاناً عملياً بالانتقال الى قصر بعبدا.

وعلى رغم «الهيصة» الاعلامية التي سادت في اليومين الماضيين، لا يعطي مؤشر معراب أيّ ملامح حول اقتراب عقد الزواج، فالعرس مؤجَّل، لانتفاء المصلحة بالاستعجال في أيّ خطوة ناقصة، ويكفي في هذا المجال التحذير من مغبة استمرار الحليف الرئيس سعد الحريري في مبادرته، وإشهار سلاح ترشيح عون حلّاً أخيراً متبقياً في يد جعجع لتعطيلها، لكن قبل أن تتحوّل هذه المبادرة حقيقة، لن يتّخذ جعجع القرار الصعب، وسيبقي «سلاح الدمار الشامل» في مخازن الاحتياط.

لم يُفاجأ جعجع بمباردة الحريري الرئاسية، لكنّ السرعة في انكشاف اللقاء الباريسي، حتّمت الاستعجال، وبدا كأنّ دينامية انطلقت لا يمكن وقفها، وتعامل معها جعجع على عادته بكثير من الهدوء وضبط الاعصاب.

لم يعطِ أيّ موقف في الأيام الاولى للمبادرة، وفضّل التواصل المباشر مع السعودية، فاطمئن الى أنّ أيّ خيار لن يتمّ السير به من دون موافقته، والى أنّ المملكة أعطت الحريري الضوء الاخضر لـ«جسّ النبض»، وليس لفرض امر واقع على حلفائه.

وجاءت المواقف من المبادرة لتعطي جعجع جرعات أكثر من الاطمئنان. فحزب الله الذي كان يفترض به عملياً أن يهلّل لها، صمت ثمّ تكلم رافضاً، بحيث بدا كأنه لا يريد انتخابات رئاسية من دون ما يسميه «السلة الكاملة» التي تعني ضمان الاتفاق على الحكومة ورئيسها، وقانون الانتخاب، قبل إعطاء أيّ رأي بمَن سيكون الرئيس.

إذ ذاك بدا أنّ من عطّل المبادرة فعلاً لا قولاً كان «حزب الله»، وليس أيّ طرف مسيحي آخر، كما بدا أنّ الحزب رسَم معالم مرحلة جديدة تتخطى الانتخابات الرئاسية، الى ما هو أهم: السيطرة على الكم الكافي من السلطة، واستعمالها كغطاء للسلاح والقتال في سوريا، وغيرها من الملفات الإقليمية التي أدخل الحزب نفسه بها لاعباً وكيلاً عن ايران.

وقد أتت التطوّرات السلبية بعد إعدام الشيخ نمر باقر النمر في السعودية لتضيف الى تعقيد التسوية المفترضة تعقيداً جديداً، اصبح معه الكلام عن انتخابات رئاسية وشيكة، احتمالاً بعيداً، وهذا الحدث الطارئ فرض نفسه من جديد على معادلة تتغير في استمرار.

لم يعد قرار ترشيح جعجع لعون حاجة ماسة، فحزب الله فرمل مبادرة الحريري، لكنها لا تزال قائمة، طالما لم يتراجع الحريري عنها.
تبني «القوات اللبنانية» حساباتها بدقة ميزان الذهب: زيارة عون لمعراب غير مقرَّرة حتى الآن، لا توجد مفاوضات رئاسية انما حوار مستمر، تريّث في كلّ الملفات، وحرص مبالغ فيه على التعامل مع الحريري كخط احمر لا يمكن تجاوزه.

يقف الدكتور جعجع امام مفترق خيارات صعبة، وينتظر. تصوّره للانتخابات الرئاسية بعيد جداً من الموافقة على مرشحين كعون أو غيره، لكنّ الأولوية تبقى الآن العودة الى النقطة التي سبقت اللقاء الباريسي، فهل ينجح؟