ما هو مقدار الوجع عند البطريرك الماروني بشارة الراعي عندما يقول لمعيّديه في الميلاد: "يجب ألا نخاف من المستقبل انما علينا الحفاظ على وحدتنا وحضارتنا"، انه بالتأكيد مساوٍ لمقدار المرارة عند اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، الذين يرتعدون خوفاً من المستقبل ويندبون وحدتنا المنهارة وحضارتنا التي صارت في الحضيض!
وانني اذ أحرص على معايدتك من كل قلبي يا سيدنا البطريرك، أرجو مسامحتي عندما أقول لك اننا لم نعد القصبة التي تَلوي مع العاصفة ولا تنكسر، فلقد تكسرنا وتحطمنا وصرنا أقلّ من عشبة ممزقة، واذا كان "يسوع ولد في الظلمة ليقول لنا ان لا ظلمة وكلها تتبدد" كما تعظنا نيافتك، فلن تنكر عليّ القول، ولكننا نحن صنّاع الظلمة وخفافيشها ولن تتبدد، على الأقل لأن الأزمة السياسية التي أشرت اليها في تدليل على الفراغ الرئاسي المتراكم، تضرب منذ زمن كعاصفة مجنونة في الناس والمجتمع ... فهلّلويا!
لقد استمعت الى التصريح البارع في التأويل والمُحكم في التدليل يدلي به من بكركي السيد ابرهيم السيد وهو المفوّه المُقتدِر، ولن أناقشه اليوم تحديداً في موقف "حزب الله" من الاستحقاق الرئآسي، بل أستعير كلامه على علاقة الحزب بالجنرال ميشال عون وهي أمّتن من زواج ماروني، لأتوقف عند قوله "ان السياسة هي أخلاق وليست كذباً ومناورات" وانه عندما التزم "حزب الله" ترشيح عون لرئاسة الجمهورية بات غير قادر على التحلّل من هذا الالتزام أمام أي معطيات جديدة أو مفترق سياسي جديد.
"السياسة أخلاق وليست كذباً ومناورات".
صحيح يا سيدنا، ولكن كيف يمكنكم ويمكن المسيحيين والموارنة تحديداً، وكيف يمكن حتى الجدران المغلقة في بكركي التي لها آذان، وقد استمعت جيداً الى ما اتفق عليه الأربعة المتنافسون والمتدافعون والمتزاركون عند بوابة بعبدا، كتفاً الى كتف بما لا يتيح لأي منهم أن يُزِقّ زقاً ولو عبر الفزلين السياسي المنقطع الوجود بين الآذاريين في ٨ و١٤ وما الى ذلك... نعم كيف يمكن الجميع في هذا البلد السعيد، ابتلاع النكول المتمادي عن التعهّد الذي قّطعه الأربعة على أنفسهم، بعدم احباط الفرصة على أي منهم يمكنه الوصول الى رئاسة الجمهورية عبر النزول الى المجلس لتأمين عملية الانتخاب؟
أعرف انه ليس مطلوباً من بكركي ان تُلزم المتعهّدين تعهدهم، ولن تفعل ذلك، ولو صار القصر الرئاسي غابة من العشب المتوحش، وأعرف انه تم حتى الآن لحس التعهّد والنكول عنه ٣٢ مرة، ولكنني يا سيدنا البطريرك أعرف كما يعرف جميع اللبنانيين والمسيحيين، ان السياسة مسؤولية وطنية وأخلاقية، وان مار مارون عليه السلام لم يَكسر قوالبه، وان على القصبات الأربع ان تلوي فعلاً امام العاصفة التي قد تجرف مارونية الرئاسة!