هناك من سرب فيديو لقائد لواء القدس الإيراني قاسم سليماني يزور مقاتلين في مدينة حلب السورية أو على الأقل هذا ما يقوله عنوان الفيديو. وكما كل صوره خلال العام الماضي بدا سليماني سعيدا بنفسه موزعا ابتسامات ووعودا بالنصر في الحرب «المقدسة» التي يوهم مقاتليه الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين بأنهم يخوضونها في سوريا. في الفيديو الأخير لا تبدو صور سليماني صورا رسمية ولا هو حاول أن يقدم نفسه بهذه الصفة، فقد بدا كما هو تماما قائد ميليشيات يجيد تمرير ما يريد عبر مشاهد مسربة وهي مشاهد يمكن بسهولة التنصل منها كما يمكن أيضا استثمارها حتى الحدود القصوى.

لكن هل الصور قديمة أم جديدة. وهل الرجل حي يواصل تنفيذ خطط إيران في سوريا والعراق أم أنه فعلا مات أو قتل كما جرى ترداده عشرات المرات في وسائل إعلام كثيرة خلال الأشهر الماضية؟ سيرة الرجل وحياته ومهامه شغلت الصحافة العام الماضي، خصوصا لجهة أدواره العسكرية في العراق وسوريا، فهل قتل حقا؟!

وإن كان حيا فلماذا لا يظهر بشكل مباشر ورسمي؟

لا يوجد شيء مؤكد، إذ لا جهة رسمية تثبت ما يشاع عن مقتله أو تنفيه وأتى الشريط الأخير ليزيد المشهد غموضا وضبابية حول مصير الرجل وحقيقة دوره. وها نحن من جديد، نعيش على وقع حيل الاختفاء والظهور التي يجيدها رجل إيران الأبرز في سوريا اليوم.

قصص وخيالات ولا معلومات دقيقة. هذا تماما ما تحرص إيران على تسويقه، فالدعاية الإيرانية تجيد حيلة الغموض وبث الإشاعات إذ لطالما اعتمدت سياسة الخفاء كجزء من دعاية القوة والانتشار والنفوذ.

من تداولوا صور سليماني قبل أيام قالوا: إنها صور قديمة جرى بثها مؤخرا للقول إن سليماني حي ويخوض معارك إيران ويجول في ساحات القتال. من يبحث في مصادر تلك الصور لن يصل إلى نتيجة بل يبدو أن الصور أريد لها أن تكون بلا مصدر واضح.

طبعا تعبر شخصية كقاسم سليماني عن شكل الانخراط الإيراني في العبث في دواخل الدول المضطربة وما الصور المسربة وما تحويه من كلمات مرتجلة ومشهدية دينية وعسكرية ليست سوى إشهار علني لسلطة احتلال. وهذه الصورة التي تريدها إيران لرجلها المخضرم تستهدف الداخل الإيراني تماما كما تخاطب الخارج. لكن هل نشر الصور على شاكلة ما يفعل سليماني هو علامة تقدم وقوة أم علامة ضعف ومحاولة لشحذ همم المقاتلين وإظهار أن إيران تسيطر على الوضع خصوصا بعد أن أمسكت روسيا بالقرار الرسمي السوري؟

في الحقيقة يبدو أن نشر الصور فيه من علامات الضعف أكثر مما فيه من قوة. فيديوهات سليماني لا هدف لها سوى القول: إن إيران ممسكة بالوضع الميداني في سوريا. صحيح أنها حققت تقدما عسكريا في كل من العراق وسوريا واليمن وهي خسرت أقل مما خسر المفاوض الأميركي في الاتفاق النووي لكنها أيضا أثبتت عداءها لكل محيطها وللعالم وتسببت بمشكلة مذهبية طويلة الأمد. إيران صاحبة مشروع توسعي ديني مذهبي وليس زعم مواجهة «داعش» والتطرف سوى حض على المزيد منه واستدراج له. خوض الحرب عبر تسريبات أشرطة فيديو غامضة قد يكون جزءا من لعبة إعلامية يجيدها جهاز الحرس الثوري لكنها سلاح يمضي بالانقسام إلى أقصاه.