عام جديد مهيأ بكل حصانة لأن يضيع من عمر اللبنانيين. هو عام الإنتصارات الممنوعة، والتسويات المزعجة والنزاعات المجمدة والنزاعات المستجدة كما وصفه البروفسور غسان سلامة في محاضرة له في دبي.  

لكن من يقنع اللبنانيين بالإنتصارات الممنوعة، أو المستحيلة في حالتهم. ومن يقنعهم أكثر بالتسويات المزعجة، وكل تسوية مزعجة بأي حال. ومن يقنعهم بأن لا يذيبوا الجليد عن نزاعاتهم الأهلية، وبأن لا يشرعوا بتسخين حروبهم الباردة. ومن يقنعهم بأن لا يكونوا العنوان الاول في نشرات الاخبار حول النزاعات المستجدة بعد أن عبروا حتى الآن معجزة البقاء خارج حريق الشرق الاوسط، بالحد الأدنى من الخسائر والاكلاف، رغم كل شيء.

استطرد لأقول أن ثمة مبالغة في لوم “اللبنانيين”، وهم في اساس تكوين المعجزة التي ذكرت للتو. بل هم عبَّروا ويعبرون كل يوم بإحترام ومسؤولية عن رفضهم الانجرار الى الاقتتال الأهلي، خلافاً لكل المعطيات المحفزة على هذا الخيار. 

ربما باللبنانيين ينبغي أن يعني المرء، “الاستابلشمنت” السياسي الذي فقد بتفاوت ولاسباب مختلفة، الكثير من ثقة اللبنانيين وإحترامهم، من دون أن تبلغ الخسارة مبلغاً يمهد لإنهياره او تجديده او تطعيمه حتى! 

بكل الاحول نحن امام عام سيضيع من عمر البلاد والعباد. 

دولياً هو عام الإنتخابات الرئاسية الاميركية، اي عام سيشهد المزيد من الإنسحاب الأميركي مما ليس اميركي. والمزيد من الارتباك والمزيد من قلة الكفاءة في لعب دور الدولة العظمى الوحيدة في العالم حتى إشعار آخر. وهو، لأجل ذلك، عام مفاقمة أوهام الواهمين، والمتحمسين للعب في منطقة الفراغ الاميركي، كروسيا وايران تركيا واسرائيل، مع كل ما يعنيه هذا اللعب من تجريب، مؤداه حتى الآن دمار وقهر وموت وخراب ونزيف.

هذا في البعيد. أما في المكان الاقرب، فهو عام بدء مرحلة إنتقالية طويلة في سوريا إفتتحها صدور القرار ٢٢٥٤، وإنطوى على إقرار أن العام ٢٠١٦ لن يشهد ختام الحلول بل مراحل من مراحلها. فالقرار يحدد مرجعيتين زمنتين تمتدان لسنة ونصف على الاقل. إذ يشير القرار الى دعم مجلس الأمن “لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية”، أي حزيران المقبل في أحسن الأحوال. كما يحدد القرار “جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا“. 

لا شيء، الا الأمل الضعيف بالباقي من وطنية الطبقة السياسية اللبنانية، يشير الى أن الخروج من الفراغ الرئاسي واعادة النصاب للحياة السياسية والدستورية والوطنية اللبنانية قد يحصل قبل اتضاح ملامح هذا الحكم ذي المصداقية، فيما لو قيضت له الولادة بحدود حزيران ٢٠١٦. ثم حدث ولا حرج عن الموعد المضروب بعد ثمانية عشر شهراً اي حزيران ٢٠١٧!!

ومابين الابعد والاقرب، هي سنة الإنتخابات التشريعية الاولى في ايران بعد نصف مصالحة مع الشيطان الاكبر، وهي سنة معركة ما بعد خامنئي في الكثير من وجوهها. ليس ادل على مفصلية هذا الحدث مما ذكرته وسائل الاعلام الايرانية الرسمية ان اكثر من 12 الف شخص ترشحوا للانتخابات التشريعية في ايران المقررة في شباط، في رقم قياسي منذ الثورة الاسلامية في 1979. وبالتزامن مع الإنتخابات التشريعية تشهد إيران إنتخاب اعضاء مجلس الخبراء الذي يضم رجال دين وهو مكلف الاشراف على انشطة المرشد وتعيين خلف محتمل له في حال وفاته او عجزه عن القيام بمهامه.

نتائج الإنتخابات الايرانية هي نتائج لبنانية بمعنى من المعاني بمثل ما أن للإنتخابات الأميركية نتائج لبنانية وبمثل ما أن الإنتقالي في سوريا قد يكون إنتقالياً في لبنان.

ينقل عن الكاتب السياسي الأبرز في تاريخ التجربة الصحفية اللبنانية، ميشال ابو جودة، قوله لسائلي نصيحته في التحليل السياسي، أن تشاءموا وقد تصيبون في التحليل أكثر مما لو تفاءلتم. 

لا أجد هذه النصيحة الواصلة إلي بالتواتر من اصدقاء زاملوا الراحل ابو جودة، أكثر عوناً من الآن. ولو كنت لأنافس منجمي وعرافي الشاشات في ليلة رأس السنة، فلن اتردد في التلميح الى إغتيالات قد نشهدها او حرب مع اسرائيل قد يجر اليها رد حزب الله على إغتيال سمير القنطار، لا سيما أنه بات يستشعر ضعفاً في مستوى التعبئة لدى مقاتليه في معركة العبث السوري، ما قد يستدعي اعادة صيانة العصب المقاوم بحرب مع “العدو”!

وليس غريباً أن ينتظر المرء إنفجار بؤر هنا او هناك أكانت هذه مخيماً فلسطينياً او رداً مذهبياً على أول تجربة ترانسفير علني في الحرب السورية شارك فيها فريق لبناني في الزبداني!

وقد نشهد المزيد من الإنهيار المؤسساتي والخراب في نوعية الخدمة العامة. وقد وقد وقد!

إنه عام آخر سيحسب من أعمارنا. والصواب أن نقول عام آخر سيسحب من أعمارنا.