منذ أن كشف الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن توقّعاته ببداية حوارٍ مع السعودية مطلعَ العام الجديد في شأن قضايا كثيرة عالقة بين البلدين، تترقّب الأوساط السياسية والديبلوماسية ما يمكن أن يقود إليه هذا الحوار والانعكاسات المحتملة على أزمات المنطقة ولا سيّما في لبنان. فما هي الأدوات والقنوات التي ستُعتمد؟ ومَن سينفّذ المهمّة؟ قياساً على عددها ووفرتها، تتناقض المعلومات الموجودة لدى المراجع السياسية اللبنانية عمّا يُحكى عن حوار سعودي – إيراني لا بدّ منه، منذ أن أنجَزت طهران التسوية التاريخية في ملفّها النووي عبر تفاهمها ومجموعة (5 +1) والذي كرّسَته الأمم المتحدة لاحقاً منذ منتصف تمّوز الماضي على رغم الخلافات التي تَعصف بينهما من اليمن الى العراق وسوريا وصولاً الى لبنان.

ومع مطلع العام الجديد تَرصد المراجع الديبلوماسية والسياسية التوجّهات الإيرانية الجديدة التي تشكّل مؤشّراً جدّياً لِما ستكون عليه تماشياً مع بدءِ انفتاح العالم تجاهها وفكّ عزلتها الدولية وتخفيف العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها تدريجاً بما لها من مردود بمليارات الدولارات المجَمّدة لدى الحكومات والبنوك المركزية والمؤسسات الماليّة على مدى العقدين الأخيرين.

وعلى هذه الأسُس، لا تستغرب المراجع الديبلوماسية أن تخطو إيران خطوات جديدة في اتّجاه المملكة العربية السعودية، تحديداً في مرحلةٍ هي الأخطر في العلاقات بين السُنّة والشيعة والتي بلغَت مداها الأكثر دموية في أكثر من بقعة في العالم، ولا سيّما في اليمن وسوريا والعراق، عدا عن غيرها من الأزمات السياسية الصغيرة والتي عُدّت الأزمة اللبنانية واحدةً منها.

وتتداوَل الأوساط الديبلوماسية معلومات عن آليّة جديدة للحوار الإيراني - السعودي بعيداً من الشكليات السابقة التي تَعثّرَت بين مدِ وجزرِ المواقفِ المتشنّجة في أكثر من مناسبة، ولعلّ أبرزَها ما رافقَ إلغاءَ الزيارات الرسمية الرئاسية الإيرانية في اتّجاه الرياض، تارةً لعقد قمّة وأخرى لأداء مناسك الحج، وتأجيل لقاءات أخرى بين وزيرَي خارجية البلدين على هامش أكثر من منتدى ومؤتمر إقليمي ودولي قبل وبَعد أن تسَلّمَ الوزير عادل الجبير مهامَّه وزيراً للخارجية خَلفاً للأمير الراحل سعود الفيصل.

وفي المعلومات المتداولة على نطاق ضيّق في لبنان، في انتظار الكشف عنها رسمياً، أنّ المملكة العربية السعودية التي تحتفظ بتمثيل ديبلوماسي متدَنٍّ في طهران لم يتعَدَّ منذ سنوات موقعَ القائم بالأعمال قد اختارَت منذ فترة غير بعيدة سفيرَها السابق في موسكو عميد السفراء العرب علي حسن جعفر ليكونَ سفيراً لها في طهران بَعد تعيين سفيرها لدى مولدوفيا عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي الرسي خَلفاً له.

وتضيف المعلومات أنّ الإدارة الإيرانية رحّبَت بهذا القرار الذي رفعَ من مستوى التمثيل الديبلوماسي بين البلدين بالدرجة الأولى، قبل أن تُرحّب بشخصية السفير الجديد الذي سيصلها مطلع العام الجديد لِما له من تاريخ في بناء جسور كثيرة بين الرياض ودوَل عدة عبر موسكو.

وهو الذي تمتّعَ بثقة الملوك السعوديين الذين احتفظوا به في موقعه كسفير في موسكو منذ أيام الملك الراحل فهد بن عبد العزيز ومِن بَعده شقيقه الراحل الملك عبدالله وصولاً إلى العاهل السعودي الحالي سَلمان بن عبد العزيز، وتحتسب علاقاته الشخصية المميّزة مع وليّ وليّ العهد محمد بن سلمان في سيرته الذاتية على أنّه الأقرب الى التركيبة القيادية السعودية الحاليّة.

وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أنّ السفير الجديد الذي اختيرَ لبناء العلاقات السعودية - الإيرانية من الصفر قد باشَر مهمّاته منذ فترة. فكانت له اليد الطولى في معالجة أزمة «تدافُع مِنى» التي ذهبَ ضحيتها مئات الإيرانيين، وفي كلّ المفاوضات التي انطلقت في شأن اليمن، وكان في عداد الوفد السعودي الذي شاركَ في مفاوضات مسقط في عمان إلى جانب الوفود اليمنية والإيرانية ورُعاتها الإقليميين.

وهو الصديق الشخصي ما فوق العادة للمبعوث الخاص للرئيس الروسي الى الشرق الأوسط نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي أمضى سنوات من عمره سفيراً لموسكو في اليمن قبل عودته إلى الإدارة المركزية في بلاده، وهو يَعرف حجم الأزمة اليمنية بتاريخها وخلفياتها وساهمَ إلى جانب السفير جعفر في رسم خطوطٍ عريضة كثيرة متداوَلٍ في شأنها لحلّ سِلميّ للأزمة اليمنية وغيرها من أزمات المنطقة ولا سيّما في سوريا.

وبناءً على ما تَقدّم، يَبني العارفون بالمساعي القائمة لترتيب العلاقات الإيرانية - السعودية آمالاً كثيرة على مهمّة السفير الجديد ليكون قناةَ التواصل بين البلدين في إطارِ السعي إلى حَلحلة أزمات كثيرة في المنطقة وفَكفكة العقَد. وعليه، يمكن أن يَحظى لبنان بفرصةِ الاختبار الأولى لمهمّة السفير السعودي الجديد قبل أن تظهر نتائج مهمّتِه على مستوى أزمتَي اليمن وسوريا.