يستكمل اليوم القسم الثاني من صفقة التبادل التي عقدت بين حزب الله من جهة وبين مسلحي النصرة من جهة أخرى ، والقاضي بإخراج عدد من الجرحى مع عائلاتهم من بلدة الزبداني السورية على الحدود اللبنانية وترحيلهم عبر مطار بيروت لعلاجهم في تركيا، وبالمقابل إخراج عدد من الجرحى من بلدتي الفوعا وكفريا لعلاجهم في مستشفى الرسول الأعظم في الضاحية الجنوبية لبيروت .

هذه الصفقة وإن كانت تحمل طابع انساني لا يمكن لأحد الاعتراض عليها من حيث المبدأ ، إلاّ أنّها بمتشعباتها ودلالاتها السياسية فإنّ الكلام يطول بالخصوص بالشقّ اللبناني منه حيث تجري بمعظمها على أراضيه وفي مستشفياته ومن خلال مطاره .

صار من نافل القول إنّ حزب لله لا يقيم وزناً لما يسمى المؤسسات الرسمية للدولة اللبنانية، ويتصرف كما هو معروف على أنّ لبنان ما هو إلاّ ساحة مستباحة تستعمل فقط ككقاعدة خلفية لمشروعه ولما يخدم برنامجه الخاص بدون أيّ حسيب أو رقيب، والحديث في هذا السياق عن دور يضطلع به الأمن العام اللبناني ما هو إلاّ كالزينة التي توضع على طبق الطعام او كشاهد لا علاقة له بمجريات الأحداث للقول بعد ذلك أنّ لبنان الحاضر بمؤسساته بالعملية يعوض الغياب القصري للدولة .

إنّ هذا الدور الممسوخ للدولة اللبنانية هو تماماً ما يسعى حزب الله إلى تكريسه وتثبيته، ومن هنا يمكن أن نفهم تماماً لماذا يعمل جاهداً إلى تعطيل مؤسساته الرسمية، وإلى اضعاف مؤسسات الدولة ومن هنا أيضاً يمكن أن نفهم هذا الإصرار على إبقاء كرسي الرئاسة الأولى فارغاً ، وبالتالي رفضه لمبادرة الحريري التي يمكن أن توصل سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا .

ففي ظلّ احتدام المعارك على الساحة السورية وما يحمله الميدان السوري من متغيرات بعد أن صار مرتعاً لحروب الآخرين عليه، وبالخصوص بعد أن تحول الصراع هناك إلى صراع محاور للاعبين الكبار بعد التدخل الروسي المباشر وإختلاط الأوراق، وتضارب المصالح حتى بين حلفاء الأمس كما هو حاصل ولو بالخفاء بين الروسي والإيراني عشية ما يحكى عن قرارات دولية أبرمت من أجل وضع حد للنيران السورية التي أخذت تطال بشراراتها مناطق يجب أن تكون بمأمن عنها ، فإننا نشهد الآن تبدلات ما كنا لنشهدها منذ فترة .

فهذه الصفقة لا يمكن فهمها إلا خطوة تقاربية بين الإيراني والتركي يمكن أن تؤسس لإنشاء محور جديد بينهما مبني بشكل أساسي على تقاطع مصالح في وجه الدب الروسي الساعي للإمساك وحيداً بكامل الملف السوري، وبالتالي فإنّ حزب الله بما يشكل كرأس حربي متقدم للمشروع الإيراني فانه غير معني بهذه المرحلة للتطلع إلى الملف اللبناني الداخلي إلا بما يخدم وظيفته المطلوبة في المقلب الآخر للصراع هناك، وإنّ أحسن وأفضل وأسلم حالة له هي هذه الحالة التي نحن فيها الآن من غياب شبه كلي لما يسمى بالدولة اللبنانية ، وهذه الحالة سوف تبقى على ما هي عليه حتى يقضي الإيراني أمراً كان مفعولاً .