مع كل تطور ميداني على الساحة السورية، يطفو على السطح تساؤل كبير عن الدور الروسي في مجريات الحرب هناك والدور الذي يضطلع به،

فمنذ التدخل المباشر لطائرات السوخوي تحت مبرر محاربة الارهاب وترتسم كل يوم أكثر من علامة استفهام حول طبيعة المجريات، وتعجز التقارير والمعلومات عن تحديد وظيفتها الحقيقية، وممّا يزيد الطين بلة هو هذا التناقض الواضح بين الشعار المرفوع من جهة وبين السلوك العملي من جهة اخرى .

قد لا يكون السبب في الحالة الضبابية المحيطة بالدور الروسي هو التخبط أو الغموض كما يحلو للبعض أن يصفوه أو إلى تعقيدات الساحة السورية وصعوبة فهم التفاصيل بحيث يبدو الروسي وكأنّه يسير خبط عشواء ويتجه بقدميه نحو المزيد من الغرق في الوحول السورية، بدون أن يمتلك رؤية نهائية عن كيفية معالجة الملف وتشعباته .

قد تكون حقيقة الصورة هي ما تقدم، إلاّ أنّ من السذاجة بمكان اعتبار أنّ الروسي قد أتى بإسطوله إلى الشرق الأوسط ودخل أتون نيرانه من دون أن يكون له أهداف كبرى تتلائم مع حجم هذا التدخل، ولعلّ عدم فهم السلوكيات اليومية قد تكون بسبب المبالغات الرغبوية من قبل المراقب أو نتاج المسبوقات الخاطئة ومحاولة إسقاطها على الواقع بدون مبرر منطقي .

فالذين يتطلعون إلى بوتين على أنّه أبو علي الممانعة وأنّه جاء من أقصى المدينة يسعى لتقوية محور معادي للمشروع الأميركي الصهيوني بالمنطقة، اصطدموا بالعلاقة التنسيقية مع العدو الصهيوني وبالتالي جاءت عملية اغتيال سمير القنطار بمثابة الصفقة التي أخرجت أبو علي من دائرة أشرف الناس وكاد يوضع في خانة العمالة.

وكذلك هي الحال بالنسبة للذين قرأوا التدخل الروسي من خلال صفقة مدفوعة سلفاً ومنسقة مع السعودي والأميركي، واعتبروا بأنّ التسوية السياسية التي سوف تفضي لرحيل بشار هي قاب قوسين أو أدنى وما التدخل المباشر للسوخوي إلاّ باعتباره رافعة أساسية لهذه التسوية فإنّهم انصدموا هم أيضاً بعد مقتل رجل السعودية الأوّل زهران علوش

يبقى القول في هذا السياق أنّ من الخطأ الكبير هو مقاربة فهم الدور الروسي على أنّه جزء من كل، وأن الجيش الروسي موظف عند السعودي أو الإيراني وأنه يعمل وفق آحدى الأجندات وبدون أن يكون له وعنده أجندته الخاصة، وعليه فمن غير المتيسر الفهم الحقيقي للدور الروسي بعيداً عن قراءة أجندته الخاصة التي قد تتلاقى مع الأجندة الإيرانية بمكان ما أو قد تلتقي مع الأجندة السعودية في مكان آخر

وفي هذا السياق وبعيداً عن كل ضوضاء الشعارات، فإنّ ثوابت ثلاثة تشكل حتى اللحظة أبرز عناوين المشروع الروسي في سوريا هي: 1- حقول الغاز، 2-أمن اسرائيل ، 3- الإمساك بكامل الملف السوري وهذه الثوابت الروسية الثلاثة وحدها يمكن أن تشكل قاعدة أساسية لفهم الدور الروسي في سوريا، فلا " الإرهاب " هو إرهاب اذا ما كان يخدم هذه الثوابت ولا " المقاومة " مقاومة إذا ما أضرت بواحدة منها .