أشارت عملية إغتيال الطائرات الإسرائيلية للأسير اللبناني السابق سمير القنطار في منطقة جرمانا قرب دمشق (بتاريخ ١٩ كانون الأول/ديسمبر 2015)  إلى أن الدفاعات الجوية الروسية التي تحمي دمشق لم تتحرك في ظل التنسيق العسكري المعلن بين موسكو وتل أبيب.

وهذا ما اعتبره المراقبون دليلًا على تصاعد الخلاف الإيراني الروسي في سورية وحول العمل في الجولان بالتحديد. ففي حين قال حزب الله في بيان رسمي أن "طائرات العدو الصهيوني أغارت على مبنى سكني في مدينة جرمانا في ريف دمشق مما أدى إلى إستشهاد عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية الأسير المحرر الأخ المقاوم والمجاهد سمير القنطار وعدد من المواطنين السوريين"، قالت وسائل إعلام سورية إن "جماعات إرهابية" هي التي نفذت الهجوم بعدد من الصواريخ. ونعت قوات الدفاع الوطني في جرمانا القنطار، باعتباره أحد قادتها، على صفحتها في فيسبوك، بحسب وكالة رويترز . ونقلت الصحف اللبنانية عن مصادر حزب الله أن "القنطار تولى مسؤوليات قيادية في "المقاومة السورية" التي أسسها الحزب والمسؤولة عن تنفيذ عمليات في مرتفعات الجولان".  

وفي خطاب متلفز للأمين العام لحزب الله مساء الإثنين 21 كانون الأول/ديسمبر 2015 أكد السيد حسن نصر الله اتهام حزبه لإسرائيل بالمسؤولية عن مقتل القنطار، قائلًا "إن الاغتيال تم بإطلاق العدو الإسرائيلي صواريخ دقيقة ومحددة على شقة سكنية في مبنى سكاني كان الأخ سمير القنطار وآخرون يتواجدون فيه، وقامت باستهدافها وإصابتها" . هذه العملية الاسرائيلية هي الثانية في عام 2015، بعدما اغتيل جنرال عسكري إيراني كبير ومعه قائد منطقة الجولان في حزب الله وستة من الكوادر العسكرية للحزب، بينهم جهاد مغنية، نجل القائد العسكري السابق لـ"حزب الله" عماد مغنية، في غارة إسرائيلية على منطقة مزارع الأمل في القنيطرة السورية مطلع كانون الثاني/يناير. وعلى الرغم من أن "بعض التقارير تقول إن طائرتين إسرائيليتين نفذتا عملية الإغتيال باستهداف مقر سكنى القنطار بصواريخ أطلقت من سماء بحيرة طبريا في اتجاه دمشق، فإن ذلك لا يمنع من وضع الموقف الروسي في الميزان، باعتبار أن موسكو ما فتئت تُردد أن "سماء سورية لا تختلف عن سماء روسيا، وأن أي طائرة معادية تحلّق في سماء دمشق كأنما تحلّق في سماء موسكو وأن مصيرها السقوط بصواريخ ومضادات نوعية جديدة"..."وتساءل المراقبون هنا، أين الدفاعات الجوية الروسية، وأين صواريخ أس 400 التي قيل إنها ستحمي أجواء سورية، ولماذا لم تعترض الصواريخ الإسرائيلية التي استهدفت القنطار؟" .

هذا الوضع أدى إلى شياع التحليلات والتكهنات حول توطؤ روسي في تسهيل العملية الإسرائيلية. فبحسب جريدة «الرأي» الكويتية، ونقلًا "عن مصادر معنية"، فإن "روسيا كانت عقدت اتفاقات مع إسرائيل على قاعدة العلاقة الجيدة بين الدولتين. وتقضي تلك الاتفاقات بأن لا تدافع روسيا عن أي شخص أو جهة تنوي القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل، كما أنها لن تتدخل بين «حزب الله» وإسرائيل في الصراع الدائر بينهما. وأن إسرائيل لن تهاجم، في المقابل، أي فصيل تابع لإيران أو «حزب الله» أو النظام السوري أثناء قتالهم ما داموا لا يشكلون أي خطر على إسرائيل".. .

وقد رفض الكرملين التعليق على مقتل القنطار. وأحالت القيادة الروسية الإجابة عمّا إذا كانت إسرائيل قد نسقت مع روسيا في هذه العملية من خلال خط الاتصال الساخن بين تل أبيب ومركز العمليات الروسي في مطار باسل الأسد (حميميم) في ريف اللاذقية، إلى وزارة الدفاع الروسية. وقال الناطق الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: "كما تعرفون هناك آليات لتبادل المعلومات بين هيئتي الأركان (في الجيشين الروسي والإسرائيلي)، ويجب إحالة الأسئلة حول ما إذا كانت هناك أي معلومات قدمت مسبقًا من جانب إسرائيل، إلى الزملاء العسكريين ".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أن العسكريين الإسرائيليين والروس ينسقون خطواتهم حول سورية لتجنب حدوث أزمات. وقال نتنياهو  إن الجانبين توصلا إلى اتفاق بشأن آلية التنسيق التي تشمل خط الاتصال المباشر بين القوات الجوية الروسية في سورية ومقر قيادة القوات الجوية الإسرائيلية. وأكد رئيس الحكومة الإسرائيلية: "كان يجب أن نضمن عدم قيام طيارينا بإسقاط بعضهم البعض، ولذلك أنشئت آلية لحل الأزمات" ...

وكان الجنرال أندريه كارتابولوف مدير إدارة العمليات التابعة للأركان العامة للقوات المسلحة الروسية قد أعلن سابقًا "أن عسكريي روسيا وإسرائيل يتعاونون من أجل ضمان أمن التحليقات في أجواء سورية" . تطرح هذه الغارة إذًا مسألة التنسيق الروسي- الإسرائيلي الذي سبق لكل من الرئيسين فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو أن جزما بأنه كامل منذ التدخل الروسي في حرب النظام السوري نهاية سبتمبر/أيلول 2015.  وهي تطرح أيضًا وأساسًا السؤال الكبير والخطير حول العلاقات الروسية-الإيرانية في سورية في المرحلة المقبلة، في ظل تواتر المعلومات عن إعادة تموضع للقوات الإيرانية في سورية بعد نفي المسؤولين الإيرانيين الأخبار التي تحدثت عن انسحابات كبيرة تجريها قيادة الحرس الثوري من سورية .

يبقى أن نقول إن هناك عاملًا داخليًا مهمًا وهو تأثير الصراع المستجد على السلطة في طهران على سياستها في سورية والمنطقة العربية. فمع تزايد الأخبار عن صحة خامنئي المتدهورة بسبب إصابته بالسرطان منذ سنوات، تزايدت السجالات الداخلية حدة ووصلت إلى حد أن "أسقط آية الله هاشمي رفسنجاني كل المحرمات السياسية واللغة المرمزة في المخاطبة بكل ما يتعلق بالأمور والقضايا الإيرانية العليا، في حديثه المباشر والصريح عن خلافة المرشد آية الله علي خامنئي"... "وما حصل يعني أن رفسنجاني لم يعد يهمه ماذا يفعل خامنئي وجبهته، فقد أصبح قويًا الى درجة الدخول في مواجهة مكشوفة مع «المرشد الضعيف»، خصوصًا بعد أن أنتج الاتفاق النووي تحولًا عميقًا في المجتمع الإيراني وعند مختلف الشرائح، ويبدو أن هذا التحول هو الذي أقلق المرشد مؤخراً ودفعه لإلقاء عدة خطب تطالب الإيرانيين بـ"ديمومة المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية". 

من الآن وحتى تجرى انتخابات مجلس خبراء القيادة (الهيئة التي تقوم بانتخاب المرشد الأعلى من بين أعضائها) في 26 شباط/فبراير القادم فإن الساحة الإيرانية ستشهد حرباً كلامية وسجالات بين التيارات المتصارعة تُكسر فيها كل الخطوط الحمر بعد أن كسر رفسنجاني أقوى تلك الخطوط وهو موقع الولي الفقيه.  وما هو مهم جدًّا في هذا السياق ترشيح السيد حسن أحمد الخميني لانتخابات «مجلس الخبراء»، وهو ترشيح يكمل «الترويكا» التي تضم رفسنجاني والرئيس حسن روحاني، إلى جانب موقع اسم الخميني شعبياً.

والمعروف أن هناك عداوة شديدة بين السيد حسن الخميني والمرشد الأعلى وذلك منذ إزاحة السيد أحمد والد حسن الخميني عن ترويكا السلطة بعد أن كان هو المساهم الأساس في وصول خامنئي إلى موقع الولي الفقيه عند وفاة الإمام الخميني. هذا الصراع المحتدم يدور في وقت تكاثرت فيه المعلومات عن أن "وحدات من الحرس الثوري تنسحب من سوريا، وحول حقيقة الخسائر الإيرانية في سوريا والعراق، إذ لا يعقل أن يقتل أكثر من 14 جنرالاً وعقيداً وطياراً في فترة قصيرة جداً... والسؤال الذي يشغل «إيران العميقة»: هل اغتال جنود سوريون العديد منهم لأسباب سياسية أو مذهبية؟ هل قتلوا بنيران صديقة أي روسية؟ وماذا لو أن بعضهم أعدم» في سلسلة من التصفيات داخل «الحرس»؟." (انظر مقالة أسعد حيدر؛ جريدة المستقبل، بيروت، الثلاثاء 15 كانون الأول 2015 - العدد 5582). والحال أن الموقف الإيراني الجديد لم يتأخر في التعبير عن نفسه بعد حادثة جرمانا إذ أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري وجود إجراءات وجهود مع المملكة العربية السعودية "لتوفير الأرضية للمحادثات المباشرة والتفاهم لحل الخلافات والقضايا القائمة في المنطقة".

 وقال "إن هذه الجهود تتابع في إطار الآليات الديبلوماسية وإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبناء على سياستها الثابتة بشأن جيرانها والدول الإسلامية، جاهزة لتعريف فصل جديد في العلاقات وبذل الجهود في مسار حل أزمات المنطقة بحيث تعود منافعها للجمهورية الإسلامية الإيرانية وكذلك لدول المنطقة والعالم الإسلامي كله" .  

سعود المولى