مؤشرات تراجع حركة التجارة وتباطؤ ارتفاع موجودات المصارف وأرقام رسمية ليست بالضرورة حقيقية لأنها لا تأخذ في الاعتبار التدفقات النقدية خارج عمل المصارف، تفيد عن عجز في ميزان المدفوعات على رغم انخفاض الفاتورة النفطية بما يزيد عن 2,5 ملياري دولار وانخفاض اسعار الاورو والين الياباني وبعض العملات الأخرى، وعجز الحكومة فترة خمسة أشهر عن معالجة ازمة النفايات، وارتفاع نسبة العجز في الموازنة التقديرية الى 10 - 11 في المئة من الدخل المحلي، وتوقع حاكم مصرف لبنان ان يكون اداء الاقتصاد مستمراً على وتيرته دون نمو، وتزايد اعداد طالبي الهجرة من الشباب اللبناني خصوصاً، وتأخير انتخابات رئاسة الجمهورية عن قصد واضح، كلها امور تجعل المراقب يقدر استمرار حال اللاحركة وتالياً اللابركة سنة 2016.
المرشح الرئاسي لكسر جمود الوضع الحالي أوضح في حديثه المتلفز مساء الخميس 17/12/2015 انه يدرك طبيعة المشكلات القائمة. فهو اعتبر ان تردي أوضاع الكهرباء، واللجوء الكثيف الى المولدات الخاصة أو السفن المستأجرة، وتلوث مصادر المياه بشكل مريع، وكثافة السير التي تتآكل أوقات العمل والاعصاب، وتلوث البيئة براً وبحراً وجواً، كلها أمور تدين الطاقم السياسي، ليس اليوم فقط بل منذ زمن غير قصير، وهو البيئي المعروف واللبناني الصلب أكد انه لن يقبل باستمرار وضع كهذا، وتالياً بعض الأمل في السنة المقبلة يعلق على قيادة كالتي يمثلها سليمان فرنجية. وهو تفادى الخوض في النقاشات السياسية العقيمة التي تقدم مصالح فئات على مصلحة الوطن وأكد التزامه المصلحة اللبنانية أولاً وأخيراً.
اذا اطلقنا العملية السياسية على اسس صحيحة واردنا النظر الى امكانات السنة المقبلة نجد الصورة الآتية:
انخفاض أسعار النفط عن أعلى المستويات التي حققتها قبل عام 2014، نجد ان أسعار هذه السلعة التي تشكل ارضية تسعير مشتقات الديزل التي نستعملها في توليد الكهرباء، سواء في محطات انتاجها الرسمية أم في المولدات الخاصة، ستنخفض بنسبة 50 في المئة على الاقل، كما ان اسعار البنزين للسيارات الخاصة سوف تستمر في الانخفاض. وفي ذلك وفر على ميزان المدفوعات يتجاوز الـ2,5ـ ملياري دولار سنوياً وعلى موازنة الدولة. واسعار المازوت والبنزين وغاز البوتان بعد انخفاضها سترفع نظرياً القدرة الشرائية للبنانيين بما يساوي 1,5 مليار دولار سنوياً، أي ما يساوي نسبة 2.5 في المئة من الدخل القومي الحقيقي، هذا اذا وصلت كامل هذه المنافع الى جيوب اللبنانيين ولم تتركز عند بعض كبار التجار نتيجة الاحتكارات وغياب رقابة الوزارات المعنية.
كذلك فان هذا الانخفاض لن يكون نافعاً بالمقدار المشار اليه للدخل القومي لان فرص العمل والربح للبنانيين العاملين في دول الخليج النفطية كما في نيجيريا ستنخفض بنسبة 35 في المئة، الامر الذي يعني ان التدفق الخارجي من هؤلاء على لبنان لن يزيد على 6-6,5 مليارات دولار بدل تسعة مليارات، كما ان فرص العمل ستضيق ونسبة البطالة سترتفع. والبطالة المتوقعة في بلدان الخليج ونيجيريا تعود الى انخفاض مداخيل البلدان المعنية واكتشاف هدر مئات المليارات من الدولارات في العراق ونيجيريا.
في المقابل، هنالك فرصة كبيرة لتحسن الاقتصاد اللبناني وزيادة انتاجه وتصديره اذا تحقق وقف للقتال في سوريا، وقد قرأنا تصريحات للرئيس بوتين عن تفاهم اميركي – روسي على صيغة لوقف القتال واجراء انتخابات حرة في إشراف دولي بعد عودة غالبية المهجرين ان في سوريا الى قراهم، أم المهجرين السوريين في لبنان، والاردن وتركيا ومصر ودبي. وقد اعتمد مجلس الامن قراراً يهدف الى وقف القتال في سوريا وتنفيذ القرار سيكون الخطوة الاولى في مسيرة سنتين، لكن بدء المسيرة بحد ذاته يوفر فرصة تنفس للبنان على صعيد فرص العمل، واستيراد المشتقات النفطية لحاجات سوريا، كما امكانات تصدير المنتجات الزراعية، وحتى الصناعية براً الى الاسواق العربية عبر سوريا.
تشير دراسات "الاسكوا" منذ سنة وتزيد الى ان خسائر الاقتصاد السوري، ولا نقول المجتمع فالخسائر البشرية لا تقدر بثمن، كانت تتجاوز 200 مليار دولار، ولا شك في ان اعادة اعمار سوريا ستفسح في مجالات واسعة لعمل الشركات اللبنانية سواء منها شركات المقاولات، أم المصارف، أم مؤسسات التعليم والاستشفاء. ومعلوم ان المصارف اللبنانية العاملة في سوريا تشكل العمود الفقري لتحقيق فتح الاعتمادات والضمانات التي ستكون ضخمة مع بدء اطلاق عمليات البناء وتوفير شروط العلم والصحة والسكن للسوريين الذين عانوا الامرين منذ شباط 2011.
وفي حال توقف القتال في سوريا وانفتاح فرص العمل والنشاط للبنانيين، لا بد من اعادة بناء التجهيز البنيوي في لبنان على مستويات تكفل الكهرباء بكلفة معقولة، والمياه النظيفة، ووسائل النقل والانتقال الاقتصادية والفعالة، وتنظيف مياه البحر لنستقبل من جديد حركة سياحية مجزية، وترفيع خدمات الاتصالات وخفض تكاليفها، وبدء تشغيل مطار رينيه معوض للرحلات الطارئة التي تفيد لبنان وسوريا.
آمال قد تبدو مستعصية على القيادة السياسية في لبنان التي انقسمت في المناكفات السياسية وابتعدت عن الشؤون الانمائية والحياتية، وقد بات لبنان، دون حرب سوى النفاق السياسي بين افرقائه، يحتاج الى اكتساب بنية تحتية وادارية ربما بمقدار ما تحتاج اليه سوريا، ناهيك بضرورات اعادة صياغة خدمات صندوق الضمان الاجتماعي وادارته، وخصوصاً بالنسبة لفرع الضمان الصحي الذي يغطي 35 في المئة من مجموع اللبنانيين.
أولويات تفحص المستقبل تستوجب تخطيط انشاء مصانع لإنتاج الكهرباء اعتمادًا على الغاز المستورد لسبع الى ثماني سنوات، حتى بعد اقرار التشريعات اللازمة لإنجاز عقود البحث والتنقيب والانتاج عن النفط والغاز. وكي يتحقق ذلك علينا انجاز محطات لاستقبال الغاز المسيَّل الذي صار متوافراً بكثرة بعد انحسار طلبات السوق الاميركية، لان انتاج غاز الصخور في الولايات المتحدة أمن الكفاية الذاتية وبات يسمح بتصدير كميات ملحوظة من الغاز المسيل بدءاً بانكلترا سنة 2017.
لقد سمعنا سامي امين الجميل، رئيس حزب الكتائب، يحذر من ان انتاج النفط والغاز يجب ان يخضع لتقويم مؤسسات اجنبية، ونحن نخالفه الرأي. فأصحاب الخبرة من اللبنانيين، المقيمون منهم في لبنان، والعاملون في شركات النفط العالمية، قادرون على الاشراف على صياغة عقود التنقيب والانتاج. والأمر المحزن ان توقعات الغاز والنفط التي تعاظمت منذ ثلاث سنوات حين كان سعر النفط نحو 100 دولار واسعار الغاز السائل على مستوى ثمانية الى 10 دولارات لكل 1000 قدم مكعب، انخفضت الى حد كبير خلال تبادل السياسيين الاتهامات، ولا شيء يؤكد ان الرغبة في البحث والتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية أو على اليابسة لا يزال أمراً ممكناً خصوصاً مع هيمنة الطاقم السياسي الحالي. ويجب دوماً تذكير السياسيين المسيطرين على قرارات استثمار موارد النفط والغاز المقدر توافرها، بان أي عملية للبحث والتنقيب والانتاج تستوجب انقضاء سبع الى ثماني سنوات قبل توافر اية مداخيل تسمح بتأسيس صندوق سيادي وبدء خفض الدين العام. وبالتأكيد لا يتحمل لبنان انتظار سبع الى ثماني سنوات تتزايد فيها الديون، والبداية تكون بخفيض فاتورة انتاج الكهرباء وتأمين قدرات تنافسية أفضل للشركات اللبنانية نتيجة توفير الطاقة بأسعار منافسة، كما، وهنا نأمل دون اقتناع، بان تصير تكاليف الاتصال منافسة لما هو معروف في الشرق الاوسط، واعتماديتها تدعو الى الاطمئنان.
عسى وعسى وعسى.