يروى في سيرة الإمام علي ع أنه بينما كان يخطب مرة وإذ برجل يقاطعه ويقول عنه قاتله الله كافرا ما أفقهه فوثب أصحاب الإمام على الرجل لقتله وإذ بالإمام يمنعهم من ذلك قائلاً { رويدا رويدا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب }  فإذا كان في فقه الإمام لا يجوز معاقبة الساب فمن الأولى حينئذ أن يكون ممنوعا على الحاكم بأن يعاقب معارضا سياسيا معترضا عليه بقلمه ولسانه في الامور الفكرية والسياسية  ويروى ايضا في سيرة الإمام علي ع أنه لما أتاه الزبير وطلحة وهما من الصحابة المشهورين يطلبان منه الرخصة للخروج من المدينة إلى مكة لأداء العمرة أذن لهما الإمام ع وقال { والله ما أرادا العمرة ولكنهما أرادا الغدرة أي الغدر }

 ولما قيل للإمام أن يمنعهما من الخروج بعد علمه بغدرهما وأنهما سيخرجان عليه عسكريا لاحقا رفض الإمام ذلك معللا مرارا وتكرار أن قاعدته في العمل السياسي الشرعي لا يمكن أن تقوم على العقاب قبل وقوع الجريمة ولا على المحاسبة قبل التورط في سفك الدماء أي لا شرعية في فقه الإمام للإقامة الجبرية  ولا للإعتقال الإحترازي ولا للحرب الإستباقية  وبخاصة بل أم المحرمات في فقهه أن يكون ذلك مع معارضيه من أبناء مجتمعه ومع منافسيه من رعايا دولته وسلطته ولم يستخدم مرة في سيرته السياسية حجة اسمها العنوان الثانوي ولا حجة المرحلة الإستثنائية ولا حجة ضرورة المصلحة العليا للدولة والدين لم يستخدم هذه العناوين كحجج مبررا للخروج عن قاعدته الشرعية في مواجهة خصومه السياسيين رغم الظروف الحرجة والمعقدة والصعبة التي صنعها خصومه في وجهه بكل الوسائل غير النظيفة والأساليب  غير الشريفة 

ويروى ايضا أن مجموعة قليلة من الصحابة امتنعت عن مبايعته خارجة بذلك عن إجماع الأكثرية الساحقة من الصحابة الذين بايعوا بكل حرية واختيار بعيدا عن كل تهديد واجبار من هذه الأقلية الخريت بن راشد الذي قال للإمام لن يكون لك علي سلطان ولن أشهد معك الصلاة ولن أئتمر بأمرك فقال له الإمام  لك ذلك مع عطائك كاملا غير منقوص أي لك راتبك المالي من صندوق الدولة شريطة ألا تعتدي على أحد فإن اعتديت عاقبتك بما تستحق . ويدل هذا الكلام دلالة واضحة على أن الحاكم في فقه الإمام من واجبه أن يمنح المعارض والمعارضة والمعترضين حقا صريحا في الإنتقاد والنقد في الإعتراض سرا وعلانية طالما أن المعارضة بعيدة عن اللجؤ إلى وسائل العنف الذي يسيء إلى أمن المجتمع وممتلاكاته ومؤسساته وأن يضمن لها حقوقها المالية دون أن يبتزها بها لمصادرة حريتها وإرادتها واستلاب قناعاتها بتجويعها أو تهديدها أو نفيها أو اعتقالها أو اعدامها تحت اية ذريعة وحجة .

بقلم الشيخ حسن مشيمش 

الحلقة الأولى