أ‌-     التدخل الإيراني في سورية

منذ عام 2011 اكتفت إيران بارسال القادة المجربين والمستشارين الخصوصيين من الحرس الثوري (خصوصًا من فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني) ولم ترسل جنودًا أو ظباطًا من القوات الميدانية، بحسب ما يستمر قادتها في تأكيده[1].وقد قام الخبراء في حروب المدن ومقاومة العصيانات وتنفيذ الاغتيالات وغيرها من المهمات الأمنية والعسكرية، بإعادة بناء القوات العسكرية السورية وتدريبها وقيادة عملياتها، الأمنية منها خصوصًا، وبناء وحدات منها على شكل ميليشيات عسكرية مدعومة بعناصر حزب الله وميليشيات عراقية وأفغانية شيعية مختلفة. ولا يوجد تقدير دقيق لعدد مقاتلي حزب الله في سورية إلا أن خسائره المرتفعة تشير إلى وجود الآلاف من المقاتلين.وتحدثت التقارير الأميركية عن وجود حوالى 2000 إيراني ولبناني وعراقي في الخطوط الأمامية للمعارك في حلب وحماه وحمص[2]، ناهيك طبعًا عن وجود عدة آلاف على خط دمشق حمص الدولي ما بين ضواحي دمشق وغوطاتها وضواحي حمص مرورًا بالقلمون والزبداني وجرود بريتال وعرسال ورأس بعلبك والقاع.

كان الإيرانيون هم القيادة في الظل من دون التورط في القتال الميداني وسقوط ضحايا لهم تاركين ذلك لغيرهم خصوصًا من اللبنانيين أولًا ثم العراقيين.

في الشهور الأخيرة أكدت إيران على رغبتها في زيادة تدخلها العسكري في سورية[3]وعلى عمق التحالف مع روسيا[4]. كما صدر عن قوة الحرس الثوري إعلان بأن عدد المستشارين الإيرانيين في سورية قد ارتفع.  ويبدو أن إيران تراهن على أن دور القوى البرية الإيرانية مع الضربات الجوية الروسية ستؤدي إلى إضعاف المعارضة واستعادة كل ما كانت حررته من أراضٍ[5].

مع الدخول الروسي في معارك سورية أرسلت طهران قوات جديدة من الحرس والبسيج تشارك فعليًا في القتال على الأرض ما يفسر كثرة عدد الضحايا من كبار العسكريين الإيرانيين مؤخرًا. وفي الوقت نفسه بدأ المسؤولون السياسيون الإيرانيون يتحدثون عن تحوّل في دور إيران في سورية وهذا ما ألمح إليه وزير الخارجية جواد ظريف مع تأكيده أن الوجود العسكري لا يزال يقتصر على الخبراء والمستشارين[6].

كما صرح علاء الدین بروجردی رئیس لجنة الأمن القومي في مجلس الشوری الاسلامي أن إيران قد توسع من وجودها العسكري إذا طلبت دمشق أو موسكو ذلك[7].

 

ب‌-                 التدخل الروسي المفاجئ في سورية والموقف الإيراني

التقى قاسم سليماني بمسؤولين روس مرتين على الأقل في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2015، أي بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول الغرب الكبرى[8]،  ما يدل على أن التعاون والتنسيق على المستوى الأمني والعسكري سابقان على التدخل الروسي في سورية ؛ ولعل هذه الزيارات كانت تهدف إلى تنسيق هذا التدخل.

والحقيقة أن إيران لا يمكنها أن تسمح بسقوط الأسد ولكنها ترى بواقعية أن مصيره غير مضمون على المدى البعيد ولذلك فهي دفعت بقوة في اتجاه القبول بحل سياسي متسلحة بقوتها السياسية والدبلوماسية بعد الاتفاق النووي ومعتقدة أن هذه القوة ستسمح لها بالمشاركة القوية في هذا الحل والحصول على دور بارز فيه[9].

وكان توسيع نطاق تدخلها العسكري في سورية يهدف إلى حماية خطوط امدادها لحزب الله في سورية أولًا وإلى ضمان دورها في مؤتمر فيينا 2 ثانيًا.

أما روسيا فلا تهمها خطوط حزب الله بين لبنان وسورية بقدر ما يهمها حماية قواعدها ومناطق نفوذها في اللاذقية وطرطوس ما يسمح لها بحماية نفوذها وقوتها في سورية وكل الشرق الأوسط.

وفي حين تخشى إيران من التحالف السعودي القطري التركي الداعم للمعارضة السورية (ولذلك تسوق أن هذه الدول الثلاث تدعم داعش)، تحاول أميركا التمييز بين داعش وغيرها من التنظيمات بما فيها جبهة النصرة وأحرار الشام وصولًا إلى الجيش الحر، وهي تفاوتات ترفض إيران الاعتراف بها. أما روسيا فتخشى من المتطوعين الآسيويين المنضمين إلى داعش والنصرة خصوصًا أولئك القادمين من المناطق الروسية شمال القوقاز والذين يحاربون مع داعش والنصرة وهم برأيها يشكلون خطرًا قادمًا على روسيا نفسها.

ومن نقاط الخلاف بين روسيا وإيران أن موسكو لا تهتم بوجود حزب الله في جنوب سورية فهذا سيبقى من مسؤولية طهران ويبدو أن الجيش السوري والحرس الثوري وحزب الله  لايضعون قتال داعش في أولوياتهم مفضلين أن تقضم داعش مواقع خصومها الأعداء الأساسيين للنظام السوري ما يعني أن أهداف ضربات موسكو قد لا تلتقي مع أهداف الأسد وسليماني.

كما أن روسيا لا تعارض تنسيقًا مع الغرب وأميركا في هذه الحرب ضد داعش كما تفعل إيران.

ولا ننسى أن روسيا أمنّت غطاء ودعمًا لنظام الأسد لكنها في الآن نفسه دعمت جهود الأمم المتحدة لإزالة الأسلحة الكيميائية . ففي 10 أيلول/سبتمبر 2014  قرر مجلس الأمن وكان رئيسه يومها روسيًا، آلية مشتركة للتحقيق في امتلاك النظام السوري أسلحة كيميائية وفي استخدامه هذه الأسلحة[10].

دخول روسيا في الحرب السورية أعطى بوتين أوراقًا كثيرة في اللعبة الأكبر على المستوى العالمي وخصوصًا لجهة دوره وموقعه في أي حل دولي في سورية وغيرها من مشكلات المنطقة وهذا يهدد موقع إيران إن استمرت المساعي الروسية لتحقيق المزيد من النصر السياسي على الحلبة الدولية. ولكن روسيا تحتاج إيران في دعم الأسد لانها لا تستطيع تقديم التضحيات الكبيرة التي يتطلبها هذا الدعم على العكس من إيران وجماعاتها.

 

ت‌-هل تريد إيران زيادة تدخلها العسكري في سورية؟

سيكون هذا أولًا: سابقة تاريخية إيرانية وتحوّل في العقيدة العسكرية الإيرانية حيث ستكون قوات الحرس الثوري قوة عسكرية للتدخل الخارجي لأول مرة منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1988)، وذلك يتعارض مع عقيدتها المعلنة في التدريب والاستشارات وبناء القوى العسكرية لحروب الآخرين، ما سيشكل مصدر قلق لدول المنطقة ومثار خلافات إيرانية داخلية.

ثانيًا: سيكون ذلك مؤشرًا على المشكلات التي تعانيها إيران وسورية للدفاع عن النظام بحيث من المتوقع أن لا يعود كافيًا حجم التدخل العسكري للحرس وتضطر إيران للتورط أكثر.

ثالثًا: قد يكون هذا الأمر انعكاسًا لمتطلبات التدخل الروسي العسكري الاستراتيجي؛ ولعل بوتين قد شدد على هذا التدخل الإيراني المباشر لتأمين فوز عسكري مؤكد على الأرض قبل أن يسمح بتورط قواته الجوية. وقد يكون ذلك محاولة من إيران للتواجد الميداني في منافسة مباشرة مع التدخل الروسي ومنعًا لإمساكه بكل الأوراق على الأرض.

ومن الناحية الاستراتيجية قد يكون لروسيا أهداف مختلفة عن أهداف إيران فلعل روسيا مستعدة للتضحية بالأسد أو بدمشق أو بالوضع الإيراني المتصاعد القوة  في الجولان على حدود إسرائيل إن كان ذلك يضمن حصول تسوية تحفظ مصالح بوتين ووجود قواعده العسكرية على المتوسط. ولعل التصعيد الإيراني هو جواب على الشعور بمخاطر فقدان السيطرة الاستراتيجية لصالح روسيا ومحاولة لزيادة الوزن الإيراني في أي مفاوضات قادمة.

استهدف التحالف الإيراني الروسي السوري الميداني على الأرض حشد قوة كافية لوقف تقدم المعارضة وإعادة احتلال حلب ثاني أكبر مدن سورية[11].ويعدّ ازدياد عدد القتلى من الضباط الإيرانيين وعناصر الحرس الثوري في ريف حلب الجنوبي مؤشرًا على شدة المعارك وضراوتها، واندفاع طهران وموسكو لتحقيق حسم عسكري في المحافظة بأي ثمن للاستفادة من الواقع الميداني الجديد وفرض رؤيتهما للحل في فيينا.

لعل التدخل الروسي أنقذ نظام الأسد من السقوط ولكن هدفه كان تأمين منطقة يمكن الدفاع عنها في شرق سورية (خصوصًا قرب القواعد العسكرية في مطار اللاذقية وميناء طرطوس) وكسب مواقع قوة تساعد في زيادة الوزن في المفاوضات الدولية. ولا تبدو موسكو مهتمة كثيرًا في مساعدة طهران على نشر نفوذها السياسي والديني في الشرق أو تمتين موقعها في لبنان والجولان ضد اسرائيل.

ويبدو أن الخلاف الإيراني مع روسيا يتعلق بدور حزب الله في سورية وبالموقف الروسي حيال بقاء الأسد إذ لا تعتبره موسكو مبدأ حتميًا وانما قضية للتفاوض بحسب ما فهم الاعلام من تصريحات لافروف يوم 3 نوفمبر في حين أن قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري قال إن موسكو ربما لا تهتم لمصير الأسد ولكن إيران لا تجد من هو أفضل من الأسد للحكم[12].

وكان ولايتي قد صرح بأن هناك خلافات مع روسيا حول دور حزب الله في سورية[13].

وعلى مقلب آخر يشير البعض إلى أن طهران تخشى حصول صفقة سعودية روسية على حسابها تقطع عليها طريق السيطرة في الشرق الأوسط وهي التي دفعت ثمنه تضحيات كبرى في لبنان واليمن والعراق وسورية.

وقد بدا التصعيد الروسي الإيراني المتزامن في سورية وكأنه سباق على تأمين مواقع قوية على الأرض قبل وخلال وبعد مؤتمر فيينا 2. فعلىالرغم من التنسيق العسكري الميداني في العمليات خصوصًا في محيط حلب يجهد المسؤولون الإيرانيون للتأكيد على أن روسيا وإيران حلفاء أقوياء وأنداد متساوين في سورية بحسب ما جاء مؤخرًا  على لسان رئيس مجلس الشورى الإيراني السيد علي لاريجاني حين قال إن روسيا تشاورت مع إيران قبل البدء بضرباتها الجوية[14]،  كما لم ينس الإشادة بنظرة موسكو الواقعية حيال سورية [15].

والحال أنه يجمع روسيا وايران مصالح أخرى يجدر الانتباه إليها.

 

ث‌-التعاون الروسي الإيراني في مجالات أخرى

يبدو أن التعاون العسكري الروسي الإيراني يمتد أبعد من سورية إذ كان قد صدر تصريح عن قائد البحرية الإيرانية حبيب الله سياري في تموز/يوليو 2015[16]يشير إلى توقيع اتفاقية حول بحر قزوين.  كما حصلت زيارة لقطع من الأسطول الإيراني إلى أستراخان في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2014[17] (أستراخان هي مركز قيادة البحرية الروسية حيث جرى منها إطلاق صواريخ كروز على سورية يوم 7 تشرينالأول/أكتوبر)[18]. ومن علامات توثيق التعاون الأمني بين البلدين زيارة نائب قائد قوات الأمن الداخلي الإيراني موسكو صيف 2015[19]. كما جرى التوقيع على العديد من اتفاقات التعاون الأمني والدفاعي في الشهور الأخيرة لعل أهمها موافقة الروس على تزويد إيران بنظام مراقبة بالأقمار الصناعية[20] مقابل تقديم الإيرانيين خبرتهم في تكنولوجيا طائرات الدرون (من دون طيار) الخاصة بقمع المتظاهرين والعصيان المدني المسلح[21].

على مستوى آخر فان اللغة السائدة اليوم في الأوساط الرسمية الإيرانية هي كلام جواد ظريف في خطابه يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر بأن التعاون الاقتصادي مع روسيا (والصين وغيرها) ضروري للخلاص من العقوبات الاقتصادية الغربية ومن عزلة إيران الاقتصادية [22].  وقد أعلنت إيران عن خطط لشركات روسية لبناء مفاعلين نويين جديدين على الساحل الجنوبي[23]كما أن التبادل التجاري بين البلدين ازداد بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية وجرى إنشاء خط تجاري بحري مباشر في بحر قزوين[24]؛ وجرى الاتفاق على افتتاح خط جوي مباشر بين مازنداران وأستراخان[25]. وفي آخر زيارة لوزير الطاقة الروسي إلى طهران جرى التوقيع على اتفاقات بـ121 مشروعًا تصل قيمتها حوالى 40 مليار دولار على شكل استثمارات بعيدة المدى لبناء بنك تعاون إيراني روسي ودخول إيران في بنك التعاون الأوراسي الذي أسسته روسيا قبل فترة[26]. كما تعتزم إيران بيع مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى روسيا مقابل يورانيوم طبيعي[27].

ج‌-إيران ومؤتمر فيينا 2

فرحت إيران طبعًا لإدخالها في مؤتمر فيينا 2 لإن ذلك كان إشارة سياسية واضحة إلى اعتراف المجتمع الدولي بالاحترام لها والتقدير لدورها. فصرح جواد ظريف أن بلاده ليس لديها أي شرط للمشاركة في المؤتمر[28].

كان المؤتمر في الحقيقة مناسبة لتذكير إيران أن وضعها العسكري والدبلوماسي في المشرق لا يزال هشًا على الرغم من كل ما بذلته في سورية والعراق واليمن ولبنان.  

في فيننا ظهر أن إيران والحرس الثوري وحزب الله وغيرها من الميليشيات وكل التقدم العسكري الذي قد تحققه على الأرض لن ينعكس مكاسبًا دبلوماسية أو سياسية تسمح لها بفرض حلولها أو أن يكون لها كلمة فصل أو دور رئيس في الحل السياسي القادم.

في مؤتمر فيينا 2 ظهر واضحًا الانقسام الدولي حول سورية بين محورين: يضم المحور الأول السعودية وتركيا وقطر، وهو يصرّ على وثيقة "جنيف 1" كإطار وحيد للحل، وعلى تسوية "عادلة" تفضي إلى هيئة أو إدارة انتقالية تقصي الأسد من المشهد السياسي ومن مستقبل سورية، وتبدأ بإعادة الإعمار. ويضم الثاني كل من روسيا وإيران، ويقترح وقفًا لإطلاق النار، ومفاوضات تفضي إلى حكومة تضم النظام وشخصيات معارضة تتولى إجراء انتخابات برلمانية، وأخرى رئاسية تضمن للأسد الترشّح فيها. وبرأي المحور الأول أن إجراء أي انتخابات بوجود الأسد وهو يتحكم بأجهزة الأمن، وتقتصر على المناطق التي يسيطر عليها النظام، لن تختلف كثيرًا عن سابقاتها.

ويبدو أن مسألة وضع الأسد هي الأساس وفي فيينا ظهر أن الأغلبية تريد رحيله ولكن بعد فترة انتقالية وكجزء من التسوية السياسية الشاملة.

ترفض طهران هذا الحل لان الأسد هو الورقة الوحيدة المتبقية بيد طهران وطهران ليس لها أي علاقة بالغالبية الساحقة من الجماعات السورية حتى في داخل الطائفة العلوية فلا ثقة لديها بأي علوي غير الأسد حتى ولو كان من الحلقة الضيقة الموجودة حول الرئيس. ومنذ مؤتمر فيينا تصاعدت الحدة الكلامية الإيرانية في الدفاع عن الأسد كما عبّر عن ذلك خطاب خامنئي في أول نوفمبر 2015 حيث قال إنه ليس من المعقول أن تقرر دول أخرى مصير نظام سياسي ومصير رئيس تلك الدولة. هذا أمر خطير لا تقبل به أي دولة في العالم[29].

وقد عبّر فيصل المقداد عن الموقف نفسه في زيارته إلى طهران يوم 3 نوفمبر مؤكدًا أن الشعب السوري انتخب الأسد رئيسًا في عام 2014 وإنه لا بديل عن قيادته للوطن؛ ولا يمكن القبول بمحادثات حول فترة انتقالية لحكمه[30]. ويبدو أن طهران ستتمسك ببقاء الأسد حتى إنهاء ولايته كاملة وربما الترشح لولاية جديدة. ويبدو أن خامنئي لا يزال لم يبلع الخطأ الذي حصل حين رضخ للضغوط الداخلية والخارجية وتخلّى عن نوري المالكي لصالح حيدر العبادي في العراق. ومع ان الوضع مختلف ولكن إيران لا تريد تكرار تجربة العبادي الذي يحاول التملص من الضغط الإيراني الشديد عليه.

واللافت في الموقف الإيراني في سورية وحدة السلطة الحاكمة تمامًا كما توحدت في الملف النووي. فأمام الهجمات السعودية التي قام بها وزير الخارجية عادل الجبير في فيينا رد الرئيس روحاني (2 نوفمبر) أن إيران قد تتخلى عن كل العملية السياسية والدبلوماسية في سورية، ما يدل على وحدة الموقف الإيراني[31]من جهة وعلى أن أهداف إيران من تدخلها في سورية تختلف عن أهداف موسكو.

 

ح‌-بعد باريس ، هل يمكن ادخال إيران في الحرب ضد داعش؟

أعطت اعتداءات باريس، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، طهران فرصة دبلوماسية عظيمة للتقدم في تحقيق أهدافها في المنطقة. فأميركا وفرنسا والغرب تجهد لبناء حلف دولي ضد داعش أكثر فاعلية؛ وموقع إيران في هذا الحلف قد يربك هذه الجهود.

من جهة أولى إيران ترى داعش تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. هذا ما عبّر عنه وزير المخابرات سيد محمود علوي حين قال إن اعتداءات باريس هي إنذار خطير لطهران، وإن داعش تبقى هي الخطر الأشد والأهم في الحرب الضارية (في مقابل الحرب اللينة أو الخفية)[32]؛ كما هدد رئيس أركان الجيش الإيراني الجنرال أحمد رضا بوردستان برد قاصم في حال اقتربت داعش حتى 25 ميلًا من حدود إيران[33].

ولكن هذا الخوف وهذه الإدانات لن تجعل من إيران حليفًا للغرب في الحرب ضد داعش ولأسباب مختلفة:

أولًا: الكثيرون في السلطة الإيرانية يعتبرون داعش صناعة دول الخليج والغرب. وقد صرّح الجنرال مسعود جزائري (مساعد رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية لشؤون الاعلام) بعد إدانته لاعتداءات باريس أن دعم فرنسا لداعش هو المسؤول عن هذه الاعتداءات وحذّر الغرب من استغلالها لشن حروب كما فعلوا بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 ضد أفغانستان والعراق[34]. وصرّح نائب وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان أن الغرب ومخابرات دول الخليج هي التي تقف خلف ظهور داعش[35] .

هذا الموقف قد يعيق تفكير إيران الاستراتيجي ويعطل بالتالي فاعلية دبلوماسيتها.

ثانيًا: إيران لا تتفق مع أولويات المجتمع الدولي في سورية. صحيح أن المجتمع الدولي يرى داعش تهديدًا أخطر من الأسد، إلا أن إيران يهمها أولًا عدم سقوط الأسد وهذه هي معركتها الكبرى وداعش مسألة ثانوية. لا ترى إيران أن داعش أولوية تجعلها تتحالف مع المعارضة السورية ودول الخليج والغرب على حساب بقاء الأسد في السلطة.

ثالثًا: ليس لدى طهران أي خجل من استخدام داعش لتحقيق أهدافها. داعش مفيدة عمليًا لإيران إذ أن توسع "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وبربريتها نقلت الاهتمام العالمي من مجازر الأسد ضد شعبه إلى ضرورة محاربة داعش. أميركا وفرنسا يدفعان اليوم باتجاه التحالف مع روسيا في سورية. وهذا يشكل هبة خفية لحملة طهران المشتركة مع موسكو لحماية الأسد.

رابعًا: وجود داعش يضرب صدقية وإمكانية أي خيار بديل عن الأسد . طهران لا ترى تمييزًا بين داعش (تتهمها إيران بتلقي الدعم المالي من السعودية والخليج والغرب) وبين غيرها من منظمات المعارضة السورية (المعروف أنها تتلقى الدعم المالي من السعودية والخليج والغرب). طهران سعيدة بوجود حرب عنيفة بين داعش والمعارضة السورية التي تبقى هي العدو الأكبر والخطر الأهم لنظام الأسد.

على مقلب آخر تفيد الحملة الغربية العربية الروسية على داعش في إعادة تموضع إيران بالنسبة للحرب في اليمن وللوضع في لبنان. فخلال الشهور الماضية ازدادت حدة الحملات الإيرانية السعودية المتبادلة بحيث صارت تنذر بتفاعلات خطيرة في بلدان عدة. ولفت في هذا المجال موقف حزب الله في تصعيد الحرب ضد السعودية على العكس من موقف حلفائه في العراق أو موقف الشيعة العرب في السعودية والكويت والبحرين. وجاءت تفجيرات الضاحية الجنوبية وباريس والكلام عن الحلف الدولي الجديد ضد داعش لتعطي حزب الله مخرجًا مناسبًا فطرح ضرورة حصول تسوية سياسية شاملة في لبنان وخفف من لهجته ضد السعودية لا بل قدم الشكر لجهاز المعلومات في الأمن الداخلي وهو برأي الحزب جهاز تابع لتيار المستقبل حليف السعودية الرئيس في لبنان.

كما أن هزائم حلفاء إيران في اليمن (علي عبد الله صالح والحوثيين) استدعى قبولهم بالدخول في حل سياسي والموافقة على قرارات الأمم المتحدة ما يعني إعادة ترتيب الأوراق مع سعي إيران أن تكون حاضرة في المفاوضات الدبلوماسية وفي نقاش الحلول.

أما دور داعش في العراق فأكثر تعقيدًا. إيران مهتمة كثيرًا لوجود داعش على حدودها وفي داخل العراق الذي يحكمه الشيعة من حلفائها. وبالتالي فهي مهتمة أكثر للقتال هناك والدفاع عن مصالحها وحدودها. لكن إيران لا تمتلك إمكانيات إخراج داعش من المناطق التي تحتلها في المناطق السنية غرب وشمال غرب العراق. ولكن في غياب استراتيجية بعيدة المدى لإنهاء داعش تعتمد إيران على خصومها العرب ودول الغرب لتحمل تكاليف محاربة هذا التنظيم في العراق.

خ‌-وضع إيران في سورية بعد  لقاء بوتين-خامنئي في طهران

زار الرئيس بوتين إيران والتقى بالمرشد الأعلى السيد علي خامنئي في 23 نوفمبر 2015 ما عزز من توقعات مناقشتهما الجدية للخيارات في سورية والسؤال الرئيس المتعلق بمصير بشار الأسد. ولا شك أن زيارة بوتين هذه شديدة الأهمية والدلالة حتى أن مستشار السيد خامنئي للشؤون الخارجية الدكتور ولايتي صرّح بأن "لقاء خامنئي-بوتين هو أهم حدث في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية"[36] موضحًا أن بوتين وافق بأنه "لن يحصل أي اتفاق حول سورية من دون سابق تنسيق مع إيران".

وفي 29 نوفمبر التقى ولايتي بشار الأسد وقال إن "إيران لن تقبل أي خطة سلام لا توافق عليها الحكومة والشعب السوري"[37] وتشدد إيران على الخط الأحمر الذي وضعته مؤكدة أن بقاء الرئيس الأسد خلال المرحلة الانتقالية ليس موضع نقاش أو مساومة. والحال أن حظوظ الرئيس الأسد في الفوز في أي انتخابات تنعقد خلال الشهور القادمة كبيرة [38]بسبب الاستغلال والتلاعب الديموغرافي الذي أجراه النظام وتهجير وانتقال أكثر من نصف سكان سورية[39].

ولكن ماذا لو أن موسكو قررت الموافقة على رحيل الأسد كجزء من التسوية الدولية حول سورية وعملت على إقناع/إجبار طهران على القبول بهذا الحل؟ لا يشعر السيد خامنئي وقادة الحرس الثوري المكلفين الملف السوري، بالراحة حيال مثل هكذا احتمال. وترغب طهران بوجود بديل عن الأسد من داخل دائرة النظام الضيقة خصوصًا من الفئات الأساسية المكوّنة للنظام بما فيها الجيش والمخابرات، والجماعة العلوية بالطبع، ناهيك عن الجسم الرئيسي من التجار السنة المؤيدين للأسد. وحتى الآن لا يزال الأسد هو المرشح الوحيد لهذه الفئات وليس هناك من مرشح تسوية يستطيع توحيد كل هذه الفئات خلفه ومنع حصول انشقاقات وصراعات فيما بينها.

إذًا ماذا يمكن أن تقبل به إيران في حال التوافق على رحيل الأسد؟

1-  شخص من داخل الدائرة الضيقة للأسد. ولكن من هو هذا الشخص؟ لا يوجد احتمالات لأن نظام البعث منع ظهور أي شخصيات محترمة من داخله لا بل إنه منذ اندلاع الثورة قام بتصفية كل المنافسين المحتملين. وقد أوضحت قيادات إيرانية عدة أنه لا يوجد أي بديل عن الأسد[40]. هذا ناهيك عن أن مثل هذا الشخص لن يحظى بقبول المعارضة السورية أو دول الخليج أو تركيا.

2-  رئيس تسوية من الأقليات السورية أي من الطائفة العلوية أو حتى من المسيحيين أو الدروز وهو أمر يعجب معظم القوى الكبرى بما فيها روسيا. ولكن إيران لا تملك الكثير من الأوراق في هذا المجال (حتى ضمن الطائفة العلوية) على الرغم من تحالفها العضوي مع الأسد.

3-  ظابط سني كبير وهو احتمال قد يعجب الروس ولكن هل تثق إيران أو العلويون بمثل هذا الخيار.

4-  حكم جماعي من مجلس من كبار ظباط الجيش كل واحد منهم يمثل طائفة أو جماعة سورية. ولكن إيران لن تقبل بهذا الخيار إلا إن ضمنت قدرتها على التحكم بمعظم هؤلاء الظباط للإمساك بالقرار.

5-   الخيار الأقوى والأهم لدى إيران هو استمرار عملها على "أيرنة" سورية. لقد حوّل الحرس الثوري الجيش والقوى المسلحة السورية وقاموا بتجنيد أكثر من 150000 شخص في الميليشيات المحلية وهو عدد مرشح للارتفاع مع تصاعد التدخل العسكري الإيراني. كما أسست إيران قوة مقاتلة مهمة بقيادة الحرس الثوري تضم أساسًا حزب الله ووحدات سورية ومعها حشد الميليشيات الشيعية العراقية وغيرها. وبإمكان إيران الاطمئنان إلى أن أي رئيس تسوية يصل إلى الحكم سيكون خاضعًا للقوى العسكرية الكبيرة التي صارت تسيطر على الأرض والتابعة للحرس الثوري.

كل هذه الاحتمالات مطروحة ... ولكن:

يمكن أن تكون سياسات التدخل العسكري الروسية الجديدة في الشرق الأوسط تحولًا عميقًا جيوسياسيًا في مصلحة إيران، إلا أنها تخلق شعورًا إيرانيًا بالخوف من أن القرار الأخير في سورية سيكون بيد روسيا وربما على حساب مصالح إيران. من المفيد التذكير هنا أن إيران تراهن عادة على عدة أحصنة في آن. ولعلها في الوقت الحالي تعد العدة لمرحلة ما بعد الأسد . وفي حال كان هناك خطة بديلة لدى إيران لما بعد الأسد فإنها ستشمل من دون شك العناصر التالية:

1-            مواصلة القتال على الأرض لتحسين وضع النظام وبالتالي شروط التسوية .

2-             العمل مع روسيا لإيجاد مرشحين يدعمهم الجيش والعلويون.

3-            منع صعود أي شخصية سورية شعبية أو قوية تستطيع أن تطرد إيران لاحقًا.

4-            العمل على إبقاء ورقة النقض قوية في يد إيران أمام مسيرة الانتقال السلمي إما مباشرة وإما بصورة غير مباشرة من خلال التهديدات وتخريب عملية أي تسوية تخرج من مؤتمر فيينا أو من التشاور الدولي.

5-            الاستمرار في بناء القوة العسكرية والمخابراتية الإيرانية-السورية-اللبنانية المشتركة أو "الدولة العميقة" التي تضمن وحدها حرية الحركة للحرس الثوري وحزب الله واستمرار المواجهة على المدى البعيد لقرارات الغرب والسعودية ودول الخليج...

ولكن هل تقبل روسيا بأن تتحول سورية إلى حقل إيراني مفتوح على مواجهات مستمرة مع العالم أو حتى مع إسرائيل؟

العلاقات الإيرانية-الروسية في ضوء عملية جرمانا

أشارت عملية إغتيال الطائرات الإسرائيلية للأسير اللبناني السابق سمير القنطارفي منطقة جرمانا قرب دمشق (بتاريخ  20 كانون الأول/ديسمبر 2015)[41] إلى أن الدفاعات الجوية الروسية التي تحمي دمشق لم تتحرك في ظل التنسيق العسكري المعلن بين موسكو وتل أبيب. وهذا ما اعتبره المراقبون دليلًا على تصاعد الخلاف الإيراني الروسي في سورية وحول العمل في الجولان بالتحديد. ففي حين قال حزب الله في بيان رسميأن"طائرات العدو الصهيوني أغارت على مبنى سكني في مدينة جرمانا في ريف دمشق مما أدى إلى إستشهاد عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية الأسير المحرر الأخ المقاوم والمجاهد سمير القنطار وعدد من المواطنين السوريين"، قالت وسائل إعلام سورية إن "جماعات إرهابية" هي التي نفذت الهجوم بعدد من الصواريخ. ونعت قوات الدفاع الوطني في جرمانا القنطار، باعتباره أحد قادتها، على صفحتها في فيسبوك، بحسب وكالة رويترز[42].ونقلت الصحف اللبنانية عن مصادر حزب الله أن "القنطار تولى مسؤوليات قيادية في "المقاومة السورية" التي أسسها الحزب والمسؤولة عن تنفيذ عمليات في مرتفعات الجولان".[43]وفي خطاب متلفز للأمين العام لحزب الله مساء الإثنين 21 كانون الثاني/يناير 2015 أكد السيد حسن نصر الله اتهام حزبه لإسرائيل بالمسؤولية عن مقتل القنطار، قائلًا "إن الاغتيال تم بإطلاق العدو الإسرائيلي صواريخ دقيقة ومحددة على شقة سكنية في مبنى سكاني كان الأخ سمير القنطار وآخرون يتواجدون فيه، وقامت باستهدافها وإصابتها"[44].

هذه العملية الاسرائيلية هي الثانية في عام 2015، بعدما اغتيل جنرال عسكري إيراني كبير ومعه قائد منطقة الجولان في حزب الله وستة من الكوادر العسكرية للحزب، بينهم جهاد مغنية، نجل القائد العسكري السابق لـ"حزب الله" عماد مغنية، في غارة إسرائيلية على منطقة مزارع الأمل في القنيطرة السورية مطلع كانون الثاني/يناير. وعلى الرغم من أن "بعض التقارير تقول إن طائرتين إسرائيليتين نفذتا عملية الإغتيال باستهداف مقر سكنى القنطار بصواريخ أطلقت من سماء بحيرة طبريا في اتجاه دمشق، فإن ذلك لا يمنع من وضع الموقف الروسي في الميزان، باعتبار أن موسكو ما فتئت تُردد أن "سماء سورية لا تختلف عن سماء روسيا، وأن أي طائرة معادية تحلّق في سماء دمشق كأنما تحلّق في سماء موسكو وأن مصيرها السقوط بصواريخ ومضادات نوعية جديدة"..."وتساءل المراقبون هنا، أين الدفاعات الجوية الروسية، وأين صواريخ أس 400 التي قيل إنها ستحمي أجواء سورية، ولماذا لم تعترض الصواريخ الإسرائيلية التي استهدفت القنطار؟"[45].

هذا الوضع أدى إلى شياع التحليلات والتكهنات حول توطؤ روسي في تسهيل العملية الإسرائيلية.

فبحسب جريدة «الرأي» الكويتية، ونقلًا "عن مصادر معنية"، فإن "روسيا كانت عقدت اتفاقات مع إسرائيل على قاعدة العلاقة الجيدة بين الدولتين. وتقضي تلك الاتفاقات بأن لا تدافع روسيا عن أي شخص أو جهة تنوي القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل، كما أنها لن تتدخل بين «حزب الله» وإسرائيل في الصراع الدائر بينهما. وأن إسرائيل لن تهاجم، في المقابل، أي فصيل تابع لإيران أو «حزب الله» أو النظام السوري أثناء قتالهم ما داموا لا يشكلون أي خطر على إسرائيل"..[46].

وقد رفض الكرملين التعليق على مقتل القنطار. وأحالت القيادة الروسية الإجابة عمّا إذا كانت إسرائيل قد نسقت مع روسيا في هذه العملية من خلال خط الاتصال الساخن بين تل أبيب ومركز العمليات الروسي في مطار باسل الأسد (حميميم) في ريف اللاذقية، إلى وزارة الدفاع الروسية.وقال الناطق الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: "كما تعرفون هناك آليات لتبادل المعلومات بين هيئتي الأركان (في الجيشين الروسي والإسرائيلي)، ويجب إحالة الأسئلة حول ما إذا كانت هناك أي معلومات قدمت مسبقًا من جانب إسرائيل، إلى الزملاء العسكريين[47]".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أن العسكريين الإسرائيليين والروس ينسقون خطواتهم حول سورية لتجنب حدوث أزمات.وقال نتنياهو  إن الجانبين توصلا إلى اتفاق بشأن آلية التنسيق التي تشمل خط الاتصال المباشر بين القوات الجوية الروسية في سورية ومقر قيادة القوات الجوية الإسرائيلية.وأكد رئيس الحكومة الإسرائيلية: "كان يجب أن نضمن عدم قيام طيارينا بإسقاط بعضهم البعض، ولذلك أنشئت آلية لحل الأزمات"... وكان الجنرال أندريه كارتابولوف مدير إدارة العمليات التابعة للأركان العامة للقوات المسلحة الروسية قد أعلن سابقًا "أن عسكريي روسيا وإسرائيل يتعاونون من أجل ضمان أمن التحليقات في أجواء سورية"[48].

تطرح هذه الغارة إذًا مسألة التنسيق الروسي- الإسرائيلي الذي سبق لكل من الرئيسين فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو أن جزما بأنه كامل منذ التدخل الروسي في حرب النظام السوري نهاية سبتمبر/أيلول 2015.

وهي تطرح أيضًا وأساسًا السؤال الكبير والخطير حول العلاقات الروسية-الإيرانية في سورية في المرحلة المقبلة، في ظل تواتر المعلومات عن إعادة تموضع للقوات الإيرانية في سورية بعد نفي المسؤولين الإيرانيين الأخبار التي تحدثت عن انسحابات كبيرة تجريها قيادة الحرس الثوري من سورية[49].

يبقى أن نقول في الختام إن هناك عاملًا داخليًا مهمًا وهو تأثير الصراع المستجد على السلطة في طهران على سياستها في سورية والمنطقة العربية. فمع تزايد الأخبار عن صحة خامنئي المتدهورة بسبب إصابته بالسرطان منذ سنوات،تزايدت السجالات الداخلية حدة ووصلت إلى حد أن"أسقط آية الله هاشمي رفسنجاني كل المحرمات السياسية واللغة المرمزة في المخاطبة بكل ما يتعلق بالأمور والقضايا الإيرانية العليا، في حديثه المباشر والصريح عن خلافة المرشد آية الله علي خامنئي"... "وما حصل يعني أن رفسنجاني لم يعد يهمه ماذا يفعل خامنئي وجبهته، فقد أصبح قويًا الى درجة الدخول في مواجهة مكشوفة مع «المرشد الضعيف»، خصوصًا بعد أن أنتج الاتفاق النووي تحولًا عميقًا في المجتمع الإيراني وعند مختلف الشرائح، ويبدو أن هذا التحول هو الذي أقلق المرشد مؤخراً ودفعه لإلقاء عدة خطب تطالب الإيرانيين بـ"ديمومة المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية".[50]

من الآن وحتى تجرى انتخابات مجلس خبراء القيادة (الهيئة التي تقوم بانتخاب المرشد الأعلى من بين أعضائها) في 26 شباط/فبراير القادم فإن الساحة الإيرانية ستشهد حرباً كلامية وسجالات بين التيارات المتصارعة تُكسر فيها كل الخطوط الحمر بعد أن كسر رفسنجاني أقوى تلك الخطوط وهو موقع الولي الفقيه.

وما هو مهم جدًّا في هذا السياق ترشيح السيد حسن أحمد الخميني لانتخابات «مجلس الخبراء»، وهو ترشيح يكمل «الترويكا» التي تضم رفسنجاني والرئيس حسن روحاني، إلى جانب موقع اسم الخميني شعبياً. والمعروف أن هناك عداوة شديدة بين السيد حسن الخميني والمرشد الأعلى وذلك منذ إزاحة السيد أحمد والد حسن الخميني عن ترويكا السلطة بعد أن كان هو المساهم الأساس في وصول خامنئي إلى موقع الولي الفقيه عند وفاة الإمام الخميني. هذا الصراع المحتدم يدور في وقت تكاثرت فيه المعلومات عن أن "وحدات من الحرس الثوري تنسحب من سوريا، وحول حقيقة الخسائر الإيرانية في سوريا والعراق، إذ لا يعقل أن يقتل أكثر من 14 جنرالاً وعقيداً وطياراً في فترة قصيرة جداً...والسؤال الذي يشغل «إيران العميقة»: هل اغتال جنود سوريون العديد منهم لأسباب سياسية أو مذهبية؟ هل قتلوا بنيران صديقة أي روسية؟ وماذا لو أن بعضهم أعدم» في سلسلة من التصفيات داخل «الحرس»؟."[51]

والحال أن الموقف الإيراني الجديد لم يتأخر في التعبير عن نفسه بعد حادثة جرمانا إذ أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسين جابر أنصاري وجود إجراءات وجهود مع المملكة العربية السعودية "لتوفير الأرضية للمحادثات المباشرة والتفاهم لحل الخلافات والقضايا القائمة في المنطقة".  وقال "إن هذه الجهود تتابع في إطار الآليات الديبلوماسية وإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبناء على سياستها الثابتة بشأن جيرانها والدول الإسلامية، جاهزة لتعريف فصل جديد في العلاقات وبذل الجهود في مسار حل أزمات المنطقة بحيث تعود منافعها للجمهورية الإسلامية الإيرانية وكذلك لدول المنطقة والعالم الإسلامي كله"[52].



[1]https://www.isna.ir/fa/news/94072415628/

[2]https://news.yahoo.com/many-2-000-iran-backed-forces-near-aleppo-181205487.html

[3]https://www.ilna.ir/ar

[4]https://www.irinn.ir/news/129961/%D8%A7%D9%81%D8%B2%D8%A7%DB%8C%D8%B4-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D8%B1-%D9%85

[5]https://www.tasnimnews.com/fa/news/1394/08/03/897366

[6]https://www.tabnak.ir/fa/news/537633/%D9%81%D9%82%D8%B7-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%88%D8%B1

[7]https://www.farsnews.com/13940723000807

[8]https://assafir.com/Article/1/445028

[9]https://www.al-monitor.com/pulse/ori

[10]https://news.yahoo.com/russia-lifts-un-hold-syria-chemical-attacks-probe-183017905.html

[11]https://www.afp.com/en/news/syria-army-begins-offensive-near-aleppo-russian-support

[12]https://www.reuters.com/article/2015/11/03/us-mideast-crisis-syria-russia-idUSKCN0SS0TY20151103#07P93p6tVE7mRTxj.97

[13]https://www.mehrnews.com/news/2958304/%D9%87%D9%85%DA%A9%D8%A7%D8%B1%DB%8C-%D8%A7

[14]https://icana.ir/Fa/News/286085

[15]https://www.mehrnews.com/news/2947315/%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D8%B2

[16]https://www.yjc.ir/fa/news/5254384/

[17]https://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13940726000568

[18]https://www.bbc.com/news/world-middle-east-34465425

[19]https://en.farsnews.com/newstext.aspx?nn=1394050700

[20]https://www.tasnimnews.com/en/news/2015/08/26/84036

[21]https://en.farsnews.com/newstext.aspx?nn=1394060400

[22]https://www.yjc.ir/fa/news/5364608/

[23]https://en.farsnews.com/newstext.aspx?nn=13940508000656

[24]https://www.presstv.com/Detail/2015/07/05/418829/iran-r

[25]https://iccima.ir/fa/roydadhaye-beynolmelal/item/73811-

[26]https://www.mashreghnews.ir/fa/news/485357/%D8%AA%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88-%D9%85%D8%B3%DA%A9%D9%88

[27]https://www.iribnews.ir/NewsBody.aspx?ID=99918

[28]https://english.farsnews.com/newstext.aspx?nn=13940807000891

[29]https://www.wsj.com/articles/irans-khamenei-warns-countries-against-dictating-syrias-political-future-1446388677

[30]https://www.reuters.com/article/2015/11/03/us-mideast-crisis-syria-minister-idUSKCN0SS19I20151103#whKO6YP6jqtgj4tu.97

[31]https://www.reuters.com/article/2015/11/02/us-mideast-crisis-iran-saudi-idUSKCN0SR19G20151102#dD7CeCOGu6yJJUEk.97

[32]https://www.entekhab.ir/fa/news/236523

[33]https://www.tasnimnews.com/fa/news/139

[34]https://www.sepahnews.com/shownews.aspx?id=c1430331-c3a4-424f-896b-597372f61aea

[35]https://www.tasnimnews.com/en/news/2015/11/16/918521/iran-certain-countries-security-services-behind-isil-s-emergence

[36]https://www.farsnews.com/13940903001600

[37]https://lebanon.shafaqna.com/component/k2/item/56332

[38]https://carnegieendowment.org/syriaincrisis/?fa=58875

[39]https://www.economist.com/blogs/graphicdetail/2015/09/daily-chart-18

[40]https://www.farsnews.com/13940811000880

https://www.defapress.ir/Fa/News/56472

https://www.tasnimnews.com/fa/news/1394/06/16/852660

[41]https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/12/151219_syria_qantar_jaramana_rocket_attack

[42]المرجع نفسه

[43]https://newspaper.annahar.com/article/295524

[44]https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/12/151221_lebanon_hezbollah_kantar_funeral

[45]https://all4syria.info/Archive/279770

[46] الرأي، في 21 كانون الأول/ديسمبر، 2015 https://www.alraimedia.com/ar/article/foreigns/2015/12/21/644206/nr/lebanon

[47]https://www.almodon.com/arabworld/b5090af0-d3d4-40f0-85ba-164877cf60e5

[48]https://arabic.rt.com/news/800754

https://www.12jo.com/?p=459231&view=popup

https://soc.sy/ar/Subjects9386

[49]https://www.irna.ir/fa/News/81876328/

[50]أسعد حيدر؛ جريدة المستقبل، بيروت، الثلاثاء 15 كانون الأول 2015 - العدد 5582

[51]المرجع نفسه

[52]جريدة المستقبل؛ الثلاثاء 22 كانون الأول 2015 - العدد 5589