كثيرة هي النقاط التي استوقفت المراقبين في الكلمة المتلفزة التي ألقاها الأمين العام لحزب الله منذ أيام ، والتي من المفترض أن تكون مخصصة بشكل أساسي لحادثة اغتيال عميد الأسرى سمير القنطار، وحيثياتها وما أثارته هذه الحادثة من ترددات وما سوف ينتج عنها من موقف بعد أن كان قد هدّد الحزب في وقت سابق بتغير قواعد اللعبة مع العدو الصهيوني .

وبالأخص فيما يتعلق بالجانب الروسي ونشره لصواريخ متطورة s400، فإنتظر جمهور الحزب قبل غيره إجابات شافية من السيد لم يحصل عليها حتماً ، بحيث تجنب سماحته مقاربة هذا الإشكالية ولم يتطرق لها إلاّ لمماً .

صحيح أنّه كان لافتاً أيضاً المساحة البسيطة التي أعطيت لسمير القنطار من مجمل الكلمة ، على عكس ما هو متوقع لتحتل مكانها أمور أكثر أهمية أبرزها قرار الكونغرس الأخير المتعلق بالشأن المالي ودعوة السيد البنوك اللبنانية للتمرد عليها فضلاً عن رحيل صديقه فضيلة الشيخ محمد خاتون الذي كان بادياً حزن السيد العميق على وفاته .

أمّا الاستغراب الأكبر وما استوقفني ملياً ، هو ما جاء في متن الكلمة عند استعراضه وتأكيده على استمرار الحزب برفع راية الخصومة والعداء لأميركا وللمشروع الأميركي الصهيوني ، وتوجيهه لعتب عميق هو أقرب ما يكون للتحذير والتنبيه منه لمجرد الإشارة بدون أن يحدد أو يسمي الجهة المعنية ولا حتى الأحرف الأولى منها حينما قال : " ومن وجد نفسه من حيث يدري أو لا يدري ، ومن حيث يعلم أو لا يعلم شريكاً للأمريكيين والصهاينة في معركته وفي جبهته فليعيد النظر بعقله ودينه وقرآنه ووطنيته وقوميته وشعبه التي يتغنى بها .. "

وبالقليل من التمعن ندرك سريعاً بأنّ المقصود من هذا الهجوم ليس الدول العربية التي لا يتوانى السيد بتسميتها على رؤوس الأشهاد واتهامها بالعمالة والوقوف إلى جانب الأميركي من حيث يدركون ، وطبعاً ليس المقصود هم التكفيريون الذين يدعون بأنّهم يسيرون على نهج القرآن فهؤلاء لا يعترف أحدٌ بإسلامهم فضلاً عن اعتراف سماحة السيد ، زد على ذلك فهؤلاء لا وطنية عندهم ولا قومية ولا شعب .

وعليه فلا يبقى في الميدان إلا نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي يتغنى مسؤولوها بشعبهم وبقوميتهم وبالسير على قرآنهم ، وبالخصوص أنّ إيران هي صاحبة الحق الحصري في رفع الشعار القديم بالموت لأميركا واعتبارها الدولة المتقدمة في مقارعة المشروع الأميركي بالمنطقة .

ومن المعلوم للقاصي والداني بأنّ الإتفاق النووي الموقع بين أميركا وإيران كان ولا زال محل سخط واستنكار عند الحرس الثوري وبالتالي عند حزب الله أيضاً، وقد يقول قائل في هذا المجال بأنّ هجوم السيد بكلمته إنّما المقصود به هم سياسيو النظام الإيراني وليس الولي الفقيه شخصياً ، إلاّ أنّ ما هو معروف بأنّ الوفد المفاوض وأنّ الاتفاق ما كان ليرى النور وما كان ليوقع من الجانب الإيراني لولا الضوء الأخضر ومباركة الولي الفقيه .

ممّا يعني أنّ المقصود من التهجم والتذكير والتنبيه هو حصراً مرشد الجمهورية الإيرانية باعتبار أنّ الإتفاق النووي جعله في الجانب الآخر مع الأمريكيين والصهاينة،  وهذه هي المرة الأولى التي يعبّر فيها حزب الله  عن سخطه من السلوك المستجد للنظام الإيراني ... وهذا ما قد يضع حزب الله أو أمينه العام السيد حسن نصرالله أمام مفترق قد يعتبر تاريخي .