أفضت الجولة الحوارية الثانية عشرة، الى مزيد من الدوران حول التعقيدات، من دون تلمس سبل حلحلتها.
التسوية الباريسية أخرجت بند الرئاسة من على طاولة الحوار، فلم يؤتَ على ذكره، وأما مرشح التسوية سليمان فرنجية، فانهمك ـ كما في الجولة السابقة ـ في مشاورات ودردشات في عمق الاستحقاق الرئاسي.
تفعيل عمل الحكومة كان عنوان حوار الأمس، لكن الجولة انفضّت، ولم يتمكن المتحاورون من أن يفعلوا او يفعِّلوا شيئاً، سوى إعادة إبراز الخلاف الحاد حول الحكومة وآلية عملها. ولا سيما بين منطق «التيار الوطني الحر» المتمسك بالآلية التي تم الاتفاق عليها، وبين «تيار المستقبل» الذي أعلن رفضه اعتماد قواعد جديدة تناقض الدستور.
كما أن اللافت للانتباه، أن الجولة أظهرت جوًا داكناً حيال الموضوع الانتخابي وسط إشارات غير واضحة حول عمل اللجنة النيابية، التي اختلف تقييم عملها بين فريق وآخر، فثمة من يقول بتمكنها من تحقيق تقدم طفيف، وثمة في المقابل من ينظّر لفشلها الحتمي في الاتفاق على صيغة انتخابية، وثمة من نعاها حالياً إذ أنه تأكد من أول اجتماعين للجنة أنها غير قادرة على ان تتفق على شيء.
أبرز ما في الجولة الأخيرة لهذه السنة: عودة رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل إلى طاولة الحوار، وتغيير النائب سليمان فرنجية مقعده ليكون مقابل مقعد العماد ميشال عون الذي مثّله أمس الوزير جبران باسيل، إضافة إلى خلوة المشاورات التي عقدها الرئيس نبيه بري مع كل من رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، والتي أعلن الرئيس بري في ختامها أن الأجواء إيجابية وأما ترجمة هذه الإيجابية التي لها صلة بالحكومة والمؤسسات الأخرى، قد لا تظهر سريعاً، وإنما قد تظهر بعد الأعياد.. وإلى موعد جديد في 11 كانون الثاني 2016.
افتتح الرئيس نبيه بري الجلسة، التي عُقدت في مقر رئاسة المجلس النيابي في عين التينة، بكلمة قصيرة رثى فيها الشهيد سمير القنطار قائلاً: «سمير القنطار خسر مساحة جسده، وربح مساحة وطن وأمة. خسر لبنان إنساناً، وربح بطلاً شهيداً.. سمير نال الدنيا والآخرة، الأولى بخلود اسمه والثانية باستشهاده». ثم دعا الى الوقوف دقيقة صمت.
ثم قال بري: إن موضوعنا اليوم هو تفعيل عمل الحكومة، ويجب ان ننتهي من موضوع النفايات. ولدينا موضوع آخر هو موضوع الانتخابات. وهنا استعرض مجريات ما حققته اللجنة المعنية بالقانون الانتخابي، مشيراً الى حصول تقدم طفيف وتوافق مبدئي مع ميل إلى اعتماد الاتفاق على القانون المختلط، لافتاً إلى أنه قد جرى استعراض التقسيمات، وتبين أن هناك خلافاً داخل اللجنة في ما يتعلق بتقسيمات الجبل، والجلسة المقبلة للجنة سيتم فيها استعراض آلية توزيع المقاعد ما بين نسبي وأكثري.
سامي الجميل: نحن نرى أن المشكلة في تقسيم الأقضية والمحافظات، هي تحتاج الى إعادة تقسيم.
طلال أرسلان: نحن غير ممثلين في اللجنة. أين نقول رأينا في الهيئة العامة أم في اللجان؟ وهل حُذف بند القانون الانتخابي من طاولة الحوار؟
بري: لا ، والدليل أننا نبحثه الآن.
أرسلان: طيب كيف يمكن القول إنهم اتفقوا على المختلط، نحن هنا يجب أن نتفق على العناوين ونترك الأمور التقنية للجنة.
بري: سبق واتفقنا أننا لن نقر شيئاً بمعزل عن طاولة الحوار، أنا لا أقول إنهم اتفقوا لكن أقول إن هناك ميلاً إلى إمكان الاتفاق على المختلط، مع التذكير أن «كتلة الوفاء للمقاومة» أعلنت أنها لا توافق إلا على الدائرة الواحدة والنسبية.
فؤاد السنيورة: نحن (طاولة الحوار) لا نريد أن نكون بديلاً عن المؤسسات، القانون الانتخابي تم تحويله الى اللجنة، وهنا على طاولة الحوار أولويتنا أن نبحث في انتخابات رئاسة الجمهورية.
جبران باسيل: معلوماتنا حول النقاش في اللجنة تؤكد أنه في أول جلستين تبين أن لا إمكانية للوصول الى نتيجة، فاتفقوا على فتح باب النقاش في كل اتجاه، لكن ليس هناك اتفاق على المختلط، وإذا أردتم ان تتكلموا بالمختلط، فأي مختلط تريدون؟ هل هو المختلط بين النسبي والأكثري أم المختلط الذي يقوم على مرحلتين من الانتخاب؟ بكل الأحوال نحن نرى ان هناك حاجة للاتفاق على معيار يحكم النقاش الانتخابي.
بري: هذا هو المقصود ونحن سنرسل الى اللجنة ذلك.
ومن ثم انتقل النقاش الى الموضوع الحكومي، فأعطى بري الكلام الى الرئيس تمام سلام الذي أشار إلى أن «لدينا موضوع النفايات، ونحن توصلنا في مكان ما الى مخرج وتحديد ما يتصل بموضوع الترحيل. واليوم دعوت الى مجلس وزراء لمناقشة هذا الموضوع وإن شاء الله نتفق ونضع الامور في نصابها الصحيح.
ميشال فرعون: في ظل تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، كنا متفقين على تفعيل عمل الحكومة.
بطرس حرب: أريد أن أذكّر أن الخلاف عميق جداً في ما يتعلق بآلية عمل الحكومة. أصبح مجلس الوزراء وكأنه يشتغل على «carte a la». هناك 800 بند عالقة، ولا يجوز الاستمرار بهذا الوضع.
بري: نحن عندما نتمسك بموضوع الحكومة، فلأن الموضوع أصبح موضوعاً لبنانياً عاماً، وعلينا ان نجود من الموجود. ما حصل في المجلس النيابي لا يوافق الأصول القانونية، لكن لأننا استندنا الى توافقات معينة فقد سرنا في هذا الاتجاه. أنا أنشد التوافق من حيث المبدأ ويجب أن يتحرك مجلس الوزراء ولا يبقى في هذه الحال.
الجميل: لا نريد أن نتكلم بالموضوع الرئاسي، المشكلة واضحة، فليُفهمونا لماذا مجلس الوزراء معطل ولا يجتمع؟
بري: أنا أوافقك
هنا طلب بري من باسيل أن يتحدث، فرد الأخير: أنا لم أطلب الكلام. فرد بري أنا أعطيك الكلمة.
باسيل: نحن في وضع استثنائي، رئيس الحكومة يقول دائماً إن الدستور لم يلحظ شغوراً رئاسياً طويلاً، وبالتالي لم يتحدث عن وضعية الحكومة في ظل هذا الشغور. نحن أمضينا وقتاً طويلاً في مناقشة هذا الموضوع من حيث الآلية، ولم نتحدث عن اتخاذ قرار لكي لا نخرق الدستور، لكن اتفقنا على التوافق، وأخذنا بعين الاعتبار انتقال صلاحيات الرئيس الى 24 شخصاً. النقاش كان يتصل بكيفية عقد الجلسات وجدول الأعمال وهذه إشكالية موجودة في الدستور، حتى في ظل حضور رئيس الجمهورية، فكيف في غيابه؟ لكن عملياً كلنا نعلم أن رئيس الجمهورية كان يوافق على جدول الأعمال قبل الجلسة أو أثناء الجلسة، ما اتفقنا عليه هو أن يتم توزيع جدول الأعمال قبل 48 ساعة. وقلنا إن فريقاً اعترض لأسباب فعلية يؤخذ بهذا الأمر، ولكن عندما يعترض فريقان، لأي سبب من الأسباب يجب أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
وتناول موضوع التعيينات العسكرية، فاعتبر ان مجلس الوزراء خالف الدستور في هذا الامر، ونحن لاحظنا ان هناك اتجاهاً لارتكاب مخالفة للآلية التي تم الاتفاق عليها والتي هي حصيلة تسوية، ونحن نتمسك بهذه الآلية، وهذه التسوية جاءت بين اتجاهين: اتجاه يتشدد في صلاحيات رئيس الجمهورية. واتجاه آخر يسعى الى تسهيل عمل الحكومة. إن مخالفة الآلية التي تم الاتفاق عليها هو ما عقّد اجتماعات مجلس الوزراء. البلد يحتاج الى قائد جيش وإلى مجلس عسكري. غالبية الحاضرين ممدد لهم.
وقال: 55 % من السلك الديبلوماسي اللبناني والسفراء في الخارج في حالة شغور. ثم ذكّر بنقاش حصل في مجلس الوزراء عندما دعا فريق الى تجميد النقاش وإلى تعطيل المجلس وإلى إيقاف الجلسة لمدة 3 ساعات متمسكاً بضرورة تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي.
هنا بدا الرئيس بري مستغرباً ومستفسراً عن هذا الامر.
باسيل متابعاً: ما حصل هو إطاحة التوافق الذي تم الاتفاق عليه والتفاهم مع مكوّن له دوره وموقعه.
سلام موضحاً لباسيل: ما أشرت إليه في ما يتعلق بمدير عام قوى الأمن الداخلي لم يكن هناك شغور رئاسي، كان رئيس الجمهورية موجوداً.
السنيورة: ليس هناك حاجة لقواعد جديدة تولد إشكاليات نحن في غنى عنها، النص شديد الوضوح. لا نريد ان ننتقص من صلاحيات رئيس الجمهورية ولا ان نزيد في صلاحيات الوكيل. فلماذا نريد ان نُدخل قواعد جديدة تخالف الدستور؟
حرب: هناك من يعتبرون أنفسهم هم رئيس الجمهورية في غياب الرئيس، إنِ اعترضوا على بند ما، فلا يوضع على جدول الأعمال.
الجميل: هناك خلاف بنيوي بين ما قاله الرئيس السنيورة وما قاله الوزير باسيل.
بري: أريد أن أرفع الجلسة ربع ساعة للتشاور في بعض المسائل. وهنا عُقدت خلوة بين بري وسلام والسنيورة وباسيل، عاد الرئيس بري على أثرها ليقول الجو إيجابي وإن شاء الله بعد الأعياد يكون الجو إيجابياً والأمور تسير في مسارها الصحيح بخصوص الحكومة وسائر المؤسسات.
هنا استعرض باسيل ما يتعلق باجتماعات نيويورك وفيينا حول سوريا، وقال نحن متفقون في الحكومة على تحييد لبنان عن تعقيدات الأزمة السورية، ولكن هناك موضوعان هما يأتيان إلينا وليس نحن من نطلبهما: موضوع النازحين وموضوع الإرهاب، في هذين الموضوعين لا نستطيع أن ننأى بأنفسنا. مؤكداً انه خلال النقاشات في فيينا كان حريصاً على التأكيد على ضرورة العودة الإلزامية للنازحين السوريين إلى سوريا، رافضاً بذلك اقتراح العودة الطوعية الآمنة التي طُرحت في الاجتماع. وأما في ما خص الإرهاب فقد فوجئنا في نيويورك بأن دولة خليجية واحدة وضعت في لائحة الإرهاب 3 أحزاب لبنانية. وحتى الأميركي لم يكن مسلّماً بموضوع اللائحة، ونحن رفضنا حتى أن يناقش الأمر.
السنيورة: أريد أن أتناول الموضوع من زاويتين: الإرهاب وتحييد لبنان. موقفنا، هو أن الذهاب الى سوريا هو الذي يستجلب الإرهاب، وهذا المفهوم الذي جرى الحديث عنه، أي الضربة الاستباقية، كلام غير مقنع. ولكن المطلوب من اللبنانيين جميعاً أن يتعاونوا في ما بينهم لمواجهة الإرهاب.
محمد رعد مقاطعاً السنيورة: فيك تشرح لي هذه النقطة، لم أفهمها؟
هنا تدخل بري وهدأ الأمور بعدما بدا السنيورة مستاءً. وقال: هناك صراع في المنتديات الدولية بين الخط الصهيوني والخط الآخر الذي يتمثل الآن بالروسي والإيراني والسوري وغيرهم. مشيراً إلى ما نوقش في ما خص الأحزاب الثلاثة: «حزب الله» و «حركة امل» و «حزب البعث» التي اقترحت الدولة الخليجية إدراجها على لائحة الإرهاب. وقال كان هناك 18 دولة وُزعت عليها جدول يضع إشارات معينة في ما يتعلق بالمنظمات التي تُصنف إرهابية. وهؤلاء هم عملياً يصنِفون إرهابياً كل من هو ضد إسرائيل، مشيراً إلى أنه تلقى رسالة من الأردن بهذا الخصوص. وقال إنهم عندما تحدثوا عن «حزب البعث اللبناني» وحددوا جنسيته أرادوا أن يحيدوا «حزب البعث العراقي» الذي يشكل جزءاً من «داعش»، ولذلك هم أرادوا تمييزه وحمايته.
ثم أكمل السنيورة: أما في موضوع اللاجئين فموقفنا هو مع عودة اللاجئين السوريين الى بلدهم ومن دون استثناء.
وهنا انتهت الجلسة وتم الاتفاق على عقد الجلسة المقبلة في 11 كانون الثاني من العام المقبل.