قدّم الشاه البهلوي تصوّرًا للإيرانية كقومية شوفينية آرية لا يلغي فقط الإسلام أو يغفله من مشهد أربعة عشر قرنًا من التاريخ بل يجعل القومية الإيرانية أيديولوجية توسع وهيمنة وتعصب حيال الجوار الجغرافي والثقافي والاثني...

وبالمقابل قدمت الخمينية تصورًا للإسلامية لا يلغي فقط الخصوصيات الاثنية والقومية وعناصر التعددية والاختلاف في حياة الجماعات والشعوب، وانما يشرعن ويبرر سياسات اقليمية ومركزية حيال الجوار، واستبدال والغاء ارادة الآخر واختراق المجتمعات الاخرى المختلفة...

كان ذلك أولًا تحت عنوان تصدير الثورة، ثم صار باسم الدفاع عن دولة الإسلام أو الدولة-المركز أو الدولة-القاعدة وتحول مؤخرًا إلى مقولة الدولة الممهدة لمجيء المهدي...

وفي نفس السياق تحولت صيغة ولاية الفقيه الحاكمة في إيران إلى مركز منتج لخطاب سياسي-ديني تخترقه وتؤثر فيه-عن قصد-اعتبارات الدولة الإقليمية ومصالح الجغرافية الاقتصادية والاستراتيجية...

(انظر: وجيه كوثراني: بين فقه الاصلاح الشيعي وولاية الفقيه، دار النهار، بيروت،2007 ،ص.121- 123) وحين حافظت إيران الإسلامية على النزعة القومية الفارسية الآرية، وأضافت اليها القداسة الالهية (ولاية الفقيه)، ومزجت بين الأيديولوجية الإسلامية والفارسية، فإنها وحدّت بذلك الحقل الجيواستراتيجي والأمني، ووحدّت من خلاله الصورة الجماعية للدولة/الأمة تجاه الآخر .

"إن الروح التي دفعت القوات الإيرانية للصمود كانت القومية أكثر منها الدين...إن هذه الحرب (مع العراق) أصبحت بالنسبة للإيرانيين حربًا وطنية، تمامًا مثلما حارب الروس من أجل روسيا الأم وليس من أجل الشيوعية.". (محمد حسنين هيكل: مدافع آيات الله،القاهرة، دار الشروق،1982، ص.269).

وفي حين استخدت إيران الإسلامية تلك القومية الفارسية الآرية فإنها لم تترك مناسبة إلا وهاجمت فيها القومية العربية وقالت عنها إنها صهيونية ورجعية وامبريالية وممزقة للأمة.. كما لم يتردد المسوؤلون الإيرانيون الإسلاميون بتشبيه القومية العربية بالصهيونية.

(راجع خصوصًا المؤتمرات التي كان يعقدها المعهد الإسلامي في لندن ورئيسه الباكستاني كليم صديقي، منذ العام 1982، وانظر على الأخص مؤتمر"تأثير القومية على الأمة،31 تموز/يوليو-3آب/أغسطس1985.. وقارن بكتابات المرحوم صديقي التي كانت تصدر عن المعهد المذكور، وكذلك بكتاب علي محمد نقوي "الإسلام والقومية"، وقد طبعته وزارة الارشاد الإسلامي في طهران ، الطبعة الانكليزية، طهران1984، ص.27- 39) .

وقد يكون الأمر رد فعل على القومية البعثية والمؤتمرات والمراكز والشخصيات البيروتية من دعاة القومية العربية والتي دأبت ولا تزال على نعت الشيعة بالفرس والإيرانيين بالشعوبيين والصفويين والمجوس.