صحيحٌ أنَّ البرهان العقلي يجب أن يكون الرائد للإنسان المسلم الباحث،وذمَّ الله تعالى المقلِّد في عقيدته، كما بدأ صاحب مقال"فكرة المهدي المنتظر للسلوى والعزاء"..ولكن هل معنى ذلك أنَّ العقل يدرك صحة كل أصل من أصول الإسلام،بحيث لو حققنا أي قضية إيمانية في ضوء العقل لآمن بها، لو كان هذا لأصبح وجوده كعدمه، ولوجب الأخذ من الفلاسفة لا من الأنبياء والوحي، وثانياً: ندرك أنَّ للعقل دائرة وللدين دائرة أخرى،والنتيجة تتم بالإثنين،فالذي يدرك كل شيء هو الله تعالى،لأنَّ العقل لا يدرك كل شيء، فإعجاز القرآن ووجود الله وما إلى ذلك يدركه العقل مستقلاً،وأما إعادة المعدوم وشهادة الأيدي والأرجل وسؤال منكر ونكير وما إلى ذلك مما لا يبلغه الإحصاء، تثبت بضرورةٍ دينيةٍ وإيمانيةٍ، هذه يا أستاذ "مخلص" لا تفسَّر بالعلم والعقل، بمعنى أنه ليس من شأنهما لا إثباتاً ولا نفياً، فقضية "المهدي" لا يمكن إثباتها بالعقل لأنها ليست من شأنه،فعجزه عن إثباتها شيئ،وكونها موجودة أم لا شيءٌ آخر...وأما القول بأنَّه ليس كل ممكن واجب الوقوع هذا صحيحٌ، فهناك فرقٌ بين ما هو ممتنع الوقوع في نفسه كإجتماع النقيضين،وبين ما هو ممكن الوقوع في نفسه، ولم تجرِ العادة بوقوعه؟ فالأول يسمَّى بالمحال العقلي،والثاني يسمَّى بالمحال العادي، فإختلط عليك النوعين، ولعله تعذَّر التمييز بينهما، فالقرآن الكريم حدَّثنا عن أمورٍ كثيرةٍ وأيضاً لا يمكن إحصائها، على سبيل المثال:هل النار لا تحرق؟ فكيف يجلس الإنسان فيها ولا تحرقه؟ أو قضية النبي عيسى (ع) تكلَّم حين ولادته وهو في المهد؟ وأنه أحيا الموتى،وما زال حيَّاً إلى يوم البعث، لا أطيل في ذلك.. هذه خوارق عادية وليست خوارق عقلية،لأنه أثبت العقل ذلك ولو كانت غير ذلك لما حدثت على أيدي الأنبياء؟فوجود المهدي المنتظر والقول ببقائه حياً وموجوداً هو من الجائز عقلاً وممتنعاً عادةً؟بالإضافة إلى ثبوته عن طريق الأحاديث الثابتة عن رسول الله(ص) فالذي ينكر وجود المهدي محتجاً بأنه من المحال عقلاُ، فعليه أن ينكر تلك الخوارق التي ذكرها القرآن الكريم لأنهما من سنخٍ واحدٍ...هذه نظرة وجيزة حول وجود المهدي المنتظر عرضناها على العقل فلم ينكرها، وعلى القرآن الكريم فوجدنا قضايا مشابهة تماماً من حيث وحدة الموضوع، بالإضافة إلى سنة رسول الله(ص) التي تعتبر المصدر المتفق عليها من سيرة المسلمين ،فألفناهم متفقين على ذلك، حتى قول الشيعة من أنه موجودٌ وحيٌّ يرزق،إلى أن يأذن الله تعالى، فلا نرى غرابةً في ذلك ولا نرى أيضاً أنه من التسلية والعزاء..