لماذا يعتقد "حزب الله" أن الرئيس سعد الحريري استهدف، بتأييده ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، زعزعة تحالفه مع المرشح الآخر العماد ميشال عون، ولماذا لا يرى هذا "الحزب" أن فرنجية أراد، بعرضه ترشيحه على الحريري، اطلاق رصاصة الرحمة على ترشيح عون، وبالتالي شقّ الصف في تيار "8 آذار"؟ أسئلة كثيرة مثل هذه، ولا تقلّ سخافة وبلاهة، في سياق الثرثرة الجدلية على ألغاز ما سمي "مبادرة" حيناً و"تسوية" حيناً آخر، ومنها، مثلاً، لماذا تعدّد الآراء طبيعي ووارد في تيار "14 آذار" لكنه غريب ومستهجن وغير جائز لدى الفريق الخصم، ولماذا طلب "الحزب" من ميشال عون محاورة الحريري والحصول على تأييده ثم استنكر أن يتصل فرنجية بالحريري للغاية نفسها، ولماذا اعتبر "الحزب" أن الحريري أخلَّ بوعده عون بانتخابه "بسبب فيتو سعودي" غير معلن ولم يأخذ بوعده لفرنجية مع "موافقة سعودية" شبه معلنة؟
رغم كل شيء، أثارت هذه "المبادرة" - "التسوية" - المهزلة نقاشاً عاماً زاد في تهزئتها، لماذا؟ أولاً، لأنها فجّرت خلافات داخل "14" على خطيئة تكريس خيار الرئيس من "8" وتجاوز مرشحي "14"، وخلافات في "8" على حقيقة أن أي مرشح يحتاج الى تأييد "14" حتى لو كان من "8". وثانياً، لأن ترئيس "صديق الاسد" يعني ترئيس الاسد، وبما أن الأخير منبوذ دولياً، ولن يكون تعاونٌ معه حتى لو بقي في المنصب، فلا بدّ أن ينعكس وضعه على أي "صديق". وثالثاً، لأن جميع "المعنيين" يعجنون ويخبزون مواقفهم بما تيسر لهم من معلومات عن المواقف الدولية والاقليمية ازاء خيار فرنجية ولا يولون أدنى اهتمام برأي اللبنانيين. ورابعاً، لأن أغرب ما شهدناه كان مناخ شماتة بالصراع داخل "14" وهو "مبدئي" في جوهره، ويتطلع الى نهاية لأزمة الشغور الرئاسي، كما أنه ظاهرة صحيّة مئة في المئة بمعزل عن اي بعد طائفي، على عكس اللاصراع أو الصراع الصامت في "8" الذي تأكّدت انتهازيته، ومطلوب أن لا يشمت أحد بحقيقة أن مرشحَي "8" ينتظران كلمة السرّ من الولي الفقيه الى وكيله المحلي.
تأكّد الآن بما لا يحتمل الشكّ أن "حزب الله" يجمّد الاستحقاق الرئاسي، لأن لديه - لدى ايران - مرشحاً وحيداً هو العماد عون الذي اعتبره تيار "14" خياراً سيئاً، ولأنه يرفض حتى الآن مرشحاً آخر من صفوفه اعتبره بعض "14"، بغضّ النظر عن الخطأ والصواب، أقلّ سوءاً. وبعدما اتضح أن "الحزب" وعون لم يتفاتحا بمسألة "البديل"، يقال إن ما طمح اليه فرنجية، بعد تجميد "التسوية، أن يكون المرشح التالي لـ "الحزب"، لكن حسن نصرالله لم يعده بذلك. الأنكى أن العرابين الثلاثة لترشيح فرنجية لا يمانعون أن يُحفظ "حقّه" كبديل! قمة المهازل.