أسقط آية الله هاشمي رفسنجاني كل المحرمات السياسية واللغة المرمزة في المخاطبة بكل ما يتعلق بالأمور والقضايا الإيرانية العليا، في حديثه المباشر والصريح عن خلافة المرشد آية الله علي خامنئي. في الأصل، الحديث عن «الخلافة» ممنوع الى درجة التحريم لأنه يتناول «قضية وطنية عليا». لذلك فإن كسر هذا المحرم، لا يمكن حصره بالخلاف المستحكم بين خامنئي ورفسنجاني والذي بلغ أعلى درجاته عندما حال الأول دون فوز الثاني برئاسة مجلس الخبراء قبل أشهر.

في عمق هذا التحول «صحة خامنئي المتدهورة بسبب إصابته بالسرطان منذ سنوات». وقد سبقت الإشارة الى أن ظهور خامنئي أمام الحشود وكأنه معافى وقوي لا يعني الحقيقة ولا الواقع، فقد سبق للرئيس الراحل فرنسوا ميتران أن حافظ على حضوره طوال فترة رئاسته علماً أنه، كما كشف في ما بعد، لم يكن قادراً على ممارسة مهامه أكثر من ساعتين في اليوم الواحد. وقد ينفي الكثيرون قصة خطورة مرض خامنئي، فيكون ما حصل أخطر بكثير لأنه يعني أن رفسنجاني لم يعد يهمه ماذا يفعل خامنئي وجبهته، فقد أصبح قوياً الى درجة الدخول في مواجهة مكشوفة مع «المرشد الضعيف»، خصوصاً بعد أن أنتج الاتفاق النووي تحولاً عميقاً في المجتمع الإيراني وعند مختلف الشرائح، ويبدو أن هذا التحول هو الذي أقلق المرشد مؤخراً ودفعه لإلقاء عدة خطب تطالب الإيرانيين بـ«ديمومة المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية».

أيضاً وهو مهم جدًّا أن ترشيح السيد حسن أحمد الخميني لانتخابات «مجلس الخبراء»، أكمل «الترويكا» التي تضم رفسنجاني والرئيس حسن روحاني، إلى جانب موقع اسم الخميني شعبياً، فإن للسيد حسن مشكلة شخصية لم يتم الكلام عنها مع المرشد وهي أنه أبعد والده أحمد الذي تضامن معه عند والده الإمام الخميني لتعيينه مرشداً.

رفسنجاني قالها بوضوح، إنه تم تشكيل مجموعة خاصة لانتخاب مرشد جديد للجمهورية في حال تعرض خامنئي «لحادث». وان هذه اللجنة «تدرس كل الاحتمالات بما فيها وضع لائحة بأسماء مرشحين لمنصب المرشد» من الطبيعي أن يكون رفسنجاني نفسه وروحاني على رأسها. المحافظون المتشددون سارعوا الى الهجوم فقال القيادي السابق في «الحرس» حسن فدائي اشتيباني: العدو يحاول أن يخدع الشعب الإيراني ويخطط لاختراق انتخابات مجلس الخبراء عن طريق الثلاثي: رفسنجاني وحسن الخميني وحسن روحاني.

ويبدو أن رفسنجاني قرر الذهاب الى أقصى ما يمكنه فقال رداً على هجوم الأصوليين: «لا يمكن أن يؤثروا فيَّ لأنهم مثل غربان لا يستقرون على غصن... كل شيء لا يرضى عنه الأصوليون يسمونه تغلغلاً». الرئيس حسن روحاني طالب بـ«وجوب السماح لجميع الراغبين في خدمة الشعب». و«نريد انتخابات حرة ونزيهة وشفافية.. وتنافساً حقيقياً«.. مضيفاً أمام طلاب الجامعات «الطرفان المعتدل والأصولي يتنافسان في مخاطبة طلاب الجامعات لأنهم الشريحة الأولى من الشباب الذين يشكلون أكثر من نصف الشعب الإيراني: نتطلع الى أجواء آمنة وليست أمنية».

من الآن وحتى تجرى الانتخابات في 26 شباط القادم فإن الساحة الإيرانية ستشهد «حرباً كلامية» تكسر فيها كل الخطوط الحمر بعد أن كسر رفسنجاني أقوى تلك الخطوط وهو موقع الولي الفقيه. ويبدو أن رفسنجاني في «هجومه» هذا لا يترك «باباً» إلا ويفتحه لتحقيق نوع من الاجماع حول شخص الفقيه المنتخب مستقبلاً فيقول: المرشد يخص جميع المواطنين مسلمين وغير مسلمين (أي لكل الشعب الايراني) من اليسار واليمين (وليس منحازاً مثل خامنئي) ويجب اختيار مرجعية تحظى برضا الجميع».

ويبدو استعداد رفسنجاني لفتح كل الأبواب لإنجاز انتخاب «مرشد» يحفظ إيران من أي صراعات في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة»، أنه يعمل «الخطة ب« في حال فشل اختيار المرشد الذي يكون للجميع، وهو ما كان ألمح إليه سابقاً، أي تشكيل «هيئة من ثلاثة أو اثنين للعب دور الفقيه، فيكون بذلك قد طور النظام وعمل على الحفاظ عليه تحت عباءة الولاية دون أن تتكرر حالة خامنئي الذي مضى عليه في الولاية المطلقة ربع قرن من السلطة.

في هذه الأثناء، يبقى موقع «الحرس الثوري» غامضاً في لعبة السلطة والخلافة، لكن من الواضح أن ما لحق بالمرشد وموقعه من نقاش علني، سيتبعه «الحرس الثوري» في ذلك. ما يعزز ذلك أن تنفيذ الاتفاق النووي ورفع العقوبات والقيود الغربية عن إيران، سيشجع أكثر فأكثر على المحاسبة وكشف ملفات الفساد الضخمة الناتجة عن استثمار العقوبات في جني ثروات خيالية وبالمليارات. لذلك سارع علي سعيدي ممثل المرشد في الحرس الى القول: «ان الازدهار والجشع سيضعان الأمة بين يدي العدو».

ومنذ الآن يدور الهمس في إيران العميقة خصوصاً بعد تكاثر المعلومات بأن وحدات من الحرس الثوري تنسحب من سوريا، حول حقيقة الخسائر الإيرانية في سوريا والعراق، إذ لا يعقل أن يقتل أكثر من 14 جنرالاً وعقيداً وطياراً في فترة قصيرة جداً، علما انهم مستشارون وليسوا جنوداً من الكومندوس الذين يقاتلون على الخطوط الأمامية.

والسؤال الذي يشغل «إيران العميقة»: هل اغتال جنود سوريون العديد منهم لأسباب سياسية أو مذهبية؟ هل قتلوا بنيران صديقة أي روسية؟ وماذا لو أن بعضهم أعدم» في سلسلة من التصفيات داخل «الحرس»؟ لا يمكن الجزم في شيء من ذلك، خصوصاً أنه لا تُعرف توجهاتهم السياسية لأنه من الطبيعي وجود تعددية سياسية وفكرية ومرجعية مستندة الى «التقية» داخل «الحرس» الذي هو «جسم عسكري ايديولوجي« وليس مثل الجيش.

موقف رفسنجاني الواضح، رفع منسوب الغموض الذي سيبقى كذلك الى أن يتدخل المرشد الذي لن يستطيع بعد الآن اللعب على موازين القوى عبر إمساك «عصا السلطة» من وسطها!.