هناك عدة أسباب مستجدة يمكنها تفسير التدفق المحموم للمهاجرين السوريين طلباً للجوء الإنساني في بلدان أوروبا الغربية، وهؤلاء لا يتحدرون فقط من أفواج الهاربين من أتون العنف، وإنما من أسر لا تزال حياتها آمنة نسبياً.

أول الأسباب شيوع إحساس عام لدى السوريين بانسداد الأفق وانعدام الأمل بخلاص قريب، أو على الأقل بتحسن الوضع الأمني واستعادة حياة الطبيعية التي تهتكت مقوماتها، فكيف الحال وثمة يقين عند غالبيتهم بأن القادم سيكون أسوأ.

 إن بالعجز عن توفير أبسط مستلزمات العيش، كالغذاء والكساء، وإن بصعوبة التكيف مع شح الماء والكهرباء، وإن بتراجع الخدمات التعليمية والصحية وفقدان فرص العمل؟!  وكيف الحال وقد بات هاجس معظم الشباب الهروب من العنف والاقتتال، بينما يتنامى لدى الجامعيين منهم إحساس بعدم جدوى تحصيلهم العلمي مع غياب الإمكانات المرجوة لممارسة اختصاصاتهم عملياً. والأهم شيوع حالة قلق وخوف عامة من انحسار شروط الأمن والسلامة، حيث غدا حامل السلاح هو الآمر الناهي ويمكنه من دون مساءلة تقرير كل ما يتعلق بمصير الناس وحيواتهم وممتلكاتكم، وتتواتر يومياً الحكايات عن حجم تعديات المسلحين وتنوع تجاوزاتهم، إن كانوا مع النظام أو المعارضة، وعن مواطنين أبرياء، يتعرضون ولأسباب تافهة، للإذلال والابتزاز والأذى والقتل، من دون أن يطاول المرتكبين أي حساب أو عقاب؟! 

فأي خيار يبقى، حين تقتل فتاة لمجرد أنها زجرت مسلحاً حاول استمالتها، وحين تعجز عائلة عن تأمين فدية لاسترداد ابنها المخطوف، وعندما يرى شاب زميله يفارق الحياة في الحرم الجامعي جراء شظايا قذائف الهاون العشوائية؟ صحيح أن أسباب نزوح السوريين كثيرة، وأساسها تصاعد العنف المفرط ضد المدنيين، إن بالإمعان السلطوي في الفتك والتنكيل وإن بما تمارسه جماعات إسلاموية متشددة، لكن الصحيح أيضاً أن العنف كان أشد أحياناً، ولم يخلق موجة واسعة من الهجرة إلى أوروبا كالتي نراها الآن، ربما لأن الصراع الدموي قد طاول وأرهق الناس ودمر ما تبقى من مقومات عيشهم، وربما لأن ما كان محتملاً كمحنة موقتة لم يعد يحتمل على المدى البعيد.

وامام هذا التشتت الكبير كان لابد من تنظيم حركة التدفق وذلك من خلال وضع عدة برامج تخدم الهجرة وذلك ضمن اطار شرعي ومنسّق. ومن أهم هذه البرامج هو البرنامج الكندي حيث اقرت حكومة كندا عن استقبالها لما يقارب 25الف لاجئ سوري في نهاية هذا العام وبداية العام القادم وفعلاً تم نقل اولى المجموعات من مطار بيروت وهذا الوضع مستمر حتى نهاية هذا العام منتظرون البرنامج التالي الذي اقرته الحكومة في 16 يناير لعام 2016 علماً ان ليست كندا البلد الوحيد الذي نظم تلك البرامج بل عدة دول ومن ضمنها استراليا والولايات المتحدة قريباّ وغيرها وذلك يتم ضمن خطط مدروسة عن طريق المفوضية تحت رعاية هيئة الامم المتحدة التي تعمل على موضوع هجرة السوريين وتلك المنظمات موجودة في لبنان والاردن والعراق وتركيا  ويشار هنا ان مصير السوريين يبقى مرهون بالزمن وبالتزام الدول المضيفة ببرامجها التي تضمنتها وقدرة السوريين على الانخراط في تلك المجتمعات والتعايش والتعلم والعمل لتصل لدرجة جيدة من الاستقلالية  .

تعددت الخيارات والنتائج مازالت غير واضحة وكثرت الحسنات ويبقى أن لا شيء يضاهي سماء الوطن .  

محمد النعيمي