تحول مؤتمر "المواطنة واقع وتحديات" والذي نظمه ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار في قرية الساحة التراثية ــ طريق المطار برعاية  رئيس الملتقى العلامة السيد علي فضل الله الى حوار علماني – ديني طرحت فيه كل الاشكاليات الفكرية والدينية والسياسية والحقوفية حول المواطنة والدولة والانسان ، وحضر المؤتمر شخصيات دينية وسياسية ودبلوماسية وفكرية واجتماعية وثقافية واجتماعية واقتصادية وإعلامية من لبنان والعالم العربي . وقد قدمت في المؤتمر اراء هامة حول الاشكالات التي تعيق تطبيق المواطنة في لبنان والعالم العربي ، وبالمقابل قدمت افكارا وتوصيات عملية للخروج من هذا المأزق.

فالعلامة السيد علي فضل الله اعتبر: إنّ قضيَّة المواطنة بقدر ما هي حسّاسة، وقد يراها البعض غير واقعيّة، في ظلّ تنوع الأديان ونزاعات الطوائف، وسيطرة الحزب الواحد أو الدّين الواحد أو المذهب الواحد أو القوميّة الواحدة، فإنّنا نراها ضروريّة وملحّة في هذه المرحلة العصيبة التي تعيشها أمّتنا، حيث يتنامى الانقسام بكلّ تلاوينه، والذي بات يهدد نسيج المجتمع والأوطان، حتى أصبح الحديث عن التقسيم ظاهراً في العلن بعدما كان قائماً في السر.   واوضح فضل الله :إننا نرى أنّ المواطنة هي الوسيلة الأمثل لحفظ الأديان والمذاهب والأحزاب وكل الفئات.. فهي صمام الأمان من كلّ الفتن الّتي تعصف بواقعنا وتكاد تودي به...

فلا يمكن لمن يرى إنسانيّتنه مقهورة وحقوقه مهضومة، أو يرى نفسه من الدّرجة الثّانية، فيما شريكه في الوطن في الدّرجة الأولى يتنعّم بامتيازات، أن يقبل ويرضخ ولا يبالي، بل إنّه سيتوتّر وسينفعل ويثور ويستجدي من يمدّ له يد المساعدة.. وغالباً ما لا تكون مساعدة الغير له لسواد عيونه، بل تكون توطئة لقدم له.. وعندها لن تبقى هناك وحدة إسلاميَّة، ولا وحدة وطنيّة، ولا تلاقي أديان...   إننا نريد للبنان، وكما نريد للمنطقة، بناء دولة الإنسان، ولو كان ذلك من باب الاعتراف بالطوائف والمذاهب.. وهذا لا يتم إلا إذا جرَّدنا الطوائف والمذاهب من عصبياتها، وأدخلنا إليها روح الدين.. دين القيم والإنسانية والتسامح..  

إن المهمة ليست صعبة إن قررنا أن نخرج من أثوابنا البالية التي لم تعد تتناسب مع تحديات العصر وطموحات أبناء هذا الوطن.. إلى لبس أثواب جديدة...     وفي الجلسة الافتتاحية كانت كلمة للأستاذ نعمة فرام، رأى فيها أن ما يصيبنا هو نتيجة خلل بنيوي، مؤكداً أن في الدخول إلى عالم المواطنة نمواً طبيعياً ترقى له المجتمعات من خلال وعيها وتجاربها.. وفي لبنان فاتنا الوعي المطلوب لاستنباط الحكم من تجاربنا.  

ثمّ كانت كلمة  رئيس جمعية المقاصد المهندس أمين محمد الداعوق، التي أكد أن على المسؤولين أن يكونوا هم مواطنين صالحين وأن يوفروا الأجواء للناس ليكونوا كذلك، فأين تبدأ هذه الدورة؟.. المهمة الأولى في هذه المعادلة تربية المربين، وجميع المربين هم قاصدو الخير.   وأكد أن المطلوب تربية المواطن على المواطنية.. أن يتساوى المواطن مع أخيه لا على أساس المذهب أو الدين أو المعتقد، بل على أساس المواطنة، والدين لا يفرّق بين الناس.   ثم تحدث القاضي عباس الحلبي فأشار في كلمته إلى أن الخوف ما كان يستعر في لبنان لو بقيت الدولة قوية بدستورها ومؤسساتها الدستورية وجيشها، وكانت قادرة على إعطاء الاطمئنان لجميع اللبنانيين.   وقال إن مستقبل هذه المنطقة هو في دولها الموحدة القائمة ليس على أساس ديني بل بالسعي لتحقيق الدولة المدنية التي تقر بالأديان وتحترمها.

  واختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة للمفكر الدكتور طيب طيب تيزيني التي قال فيها: أن شأن المواطنة هو من الشؤون المتأزمة في الوطن العربي، فقضية المواطنة قضية عريقة ارتبطت بالتحول من الكائن ما قبل العاقل إلى الكائن العاقل، فهي مسألة مرتبطة بالتاريخ، وهي ذات أصل يتصل ببدايات البشرية، أن يخرج هذا الكائن من الطبيعة ويصبح سيد نفسه، وهذا يعني أن التاريخ هو الذي يدلل على ذلك.   وتساءل ما هو الدين ومن هو المتديّن، فالأديان التي نشأت كمطلقات، ولكن حين نخطو إلى الأمام لنتبين العلاقة بين المطلق والنسبي نجد علاقة قلّما نشأت في الفكر العربي إلا قليلاً.. فالعلاقة بين المطلق والنسبي هي ذات بعد واحد.. فالمطلق مطلق على كل أشكال الوجود ويتجلى فيها، والنسبي لا يستطيع أن يكون مطلقاً، فالله هو الذي لا شريك له.

  ومن ثم عقدت عدة جلسات حوارية الاولى ترأسها الدكتور عبد الحسين شعبان وتحدث فيها الدكتور احمد موصللي حول نظرة الحركات الاسلامية للمواطنة والاب الدكتور باسم الراعي حول الكنيسة والدولة والمجتمع والدكتور خنجر حمية حول القراءة الدينية للمواطنة.   والجلسة الثانية ترأسها الدكتور جورج جبور وتحدث فيها الوزير السابق الدكتور عصام نعمان حول المواطنة واشكالاتها القانونية والمحامي الاستاذ عمر الزين حول كيفية تعزيز ثقافة المواطنة والسفير الدكتور عبد الله بو حبيب عن تجارب دولية في تطبيق المواطنة.   واما الجلسة الثالثة فتراسها الوزير السابق زاهر الخطيب وتحدث فيها الاب فادي ضو عن التربية على المواطنة والدكتور عماد فوزي الشعيبي حول التأسيس الفلسفي للمواطنة والسفير الدكتور عبد الله الاشعل حول المواطنة في اطار التعددية والقيم المشتركة.  

وعقدت الجلسة الاخيرة برئاسة امين عام الملتقى العلامة الشيخ حسين شحادة  وشارك فيها العميد الدكتور فضل ضاهر والاستاذ سركيس  ابو زيد جرى خلالها استعراض اعمال المؤتمر ونتائجه ودرات بعد ذلك نقاشات وحوارات معمقة حول مختلف الموضوعات التي طرحت وقدمت العديد من الافكار والتوصيات العملية التي سيتم اعلانها لاحقا. ان هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات والندوات والجهود التي تبذل لمواجهة التطرف والعنف ولتأسيس ثقافة المواطنة هي الخيار الصحيح الذي ينبغي على العمل على اساسه وهي مسؤولية مشتركة على جميع المؤسسات الدينية والفكرية والاجتماعية والثقافية