على مدى ما يقارب السنة ونصف من الشغور الرئاسي كان واضحاً أنّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون كان الأكثر تلهفاً للوصول إلى قصر بعبدا معتبراً نفسه المرشح الأقوى ومعللاً ذلك بدعم يعتبره غير محدود من فريق الثامن من آذار وعلى رأسه حزب الله .

أما حزب الله فإنّه لم يكن يندفع بدعمه المطلق لعون إلاّ لأنه يدرك تماماً أنّ حظوظه في الوصول إلى منصب الرئاسة معدومة تماماً.

وهذا الدعم كان يستخدمه حزب الله كوسيلة لتعطيل مؤسسات الدولة ابتداءً من منع انتخاب رئيس للبلاد ، باعتبار أنّ فريق حزب الله لا يستطيع فرض عون رئيساً نظراً للأكثرية النيابية التي يتمتع بها الفريق الرافض لوصوله إلى هذا المنصب ومن هنا كان تعطيل جلسات مجلس النواب المخصصة لانتخاب الرئيس .

فحزب الله له مصلحة أكيدة في تعطيل انتخاب الرئيس بعد تعطيل دور المجلس النيابي وصولاً إلى تعطيل عمل الحكومة وباقي مؤسسات الدولة ليتسنى له التفرغ لمعاركه في سوريا  رغم الأثمان الباهظة التي يدفعها الحزب سواء في الأرواح أو العتاد بسبب انخراطه في هذه الحرب العبثية ورغم الإتفاق الذي وقعه مع باقي القوى السياسية اللبنانية في ما عرف بوثيقة بعبدا التي تنص على تحييد لبنان عن الصراع في سوريا .

أما رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع فإنه يعرف جيداً أنّ لا حظوظ له في الوصول إلى كرسي الرئاسة إلاّ أنّ ترشيحه من قبل فريق الرابع عشر من آذار جاء لمواجهة ترشيح العماد عون.

وفي لحظة الجمود السياسي على الساحة الداخلية اللبنانية جاءت مبادرة رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري بترشيح أحد صقور الثامن من آذار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وهو أكثر الزعماء اللبنانيين قرباً من الرئيس السوري بشار الأسد لتعيد خلط الأوراق وتقلب المعادلات السياسية على طاولة قوى ائتلاف السلطة جميعاً وتطرح سؤالا بالخط العريض  ، ما الذي يجعل سعد الحريري يبادر بهذه الخطوة الغير متوقعة؟ سيما وأنّ النظام السوري حليف فرنجية متهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري .

البعض ردها إلى اختلال ميزان القوى لصالح فريق الثامن من آذار على الساحة السياسية الداخلية ، والبعض الآخر يردها إلى التطورات الميدانية للحرب السورية لمصلحة الرئيس بشار الأسد بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا إضافة إلى من يعتبرونها خطوة تحول دون انزلاق لبنان إلى آتون الصراعات الإقليمية .

واللافت هو الدعم الخارجي الذي تلقته مبادرة سعد الحريري مباشرة بعد إطلاقها ، سواء من الخارجية الأميركية أم من الرئيس الفرنسي أم من السفير السعودي.

وهذا يؤشر إلى أن هذه المبادرة ليست بعيدة عما يدور في المنطقة من صراعات وتوافقات قد يكون أبرزها سحب البساط من تحت الهيمنة الإيرانية لمصلحة النفوذ الروسي وهذا يفسر صمت حزب الله وتذرعه بالوقوف خلف حليفه العماد عون والتزامه بما يصدر عنه..