لم يكن اختيار تسمية "المردة" على التيار الذي أطلقه الرئيس سليمان فرنجية سنة 1975  عبثيا، ولم تكن انطلاقة تنظيم "الجيش الزغرتاوي" الذي تحول فيما بعد إلى تيار إلا وليد للإنتشار الفلسطيني المسلح.

وكما كل اختيارللتسمية يتم استيحاؤها من الأفكار المنسوجة من إنجازات الحضارات الماضية كذلك فعل فرنجية فأطلق على تياره هذه التسمية إنطلاقا من شعب "المردة" الذي سمي بذلك نسبة للإله  “مردو” والذي يعني اسمه “مار” اي السيّد و “دو” اي القوة، “سيّد القوة”، وبعد ذلك اتخذ الاسم التفسيرات الاخرى من مارد اي العملاق او التمرد بمعنى الثورة.

واعتماد فرنجية هذا الإسم لحزبه يعود إلى التاريخ المشرّف والأسطوري الذي سطره هذا الشعب ليس فقط من ناحية الفتوحات والإنتصارات في المعارك التي شاركوها فيها دفاعا عن أرضهم إنما لأنهم مزيج من كنعانيين فأموريين وآراميين ومن اتنيات مختلفة جسدوا صيغة لبنان التوافقية عبر اتحادهم سويا  فضلا عن اختيار العروبة هوية ولبنان وطنا لهم.

فالمردة الذين هم من الشعوب السامية الاصلية للمنطقة الممتدة من لبنان الى سوريا والاردن وفلسطين وصولاً فيما بعد الى العراق وايران وعُرفوا منذ 2300 سنة قبل المسيح بشعب مميّز اصيل ومن اثنيات مختلفة في بلاد الشرق،اتخذوا  لبنان ارضاً وموطناً وتجذروا فيه منذ مطلع القرن السادس، وسكنوا جبال لبنان مما زادهم صلابة وقوة وايماناً بالارض التي اليها ينتمون وعنها في كل زمان يدافعون، حتى ان بطل لبنان يوسف بك كرم ذكر مرات عدة في رسائله انه “مردة”..

هذا بالنسبة للمردة كتيار لكن الجير بالتعرف إليه أن المردة كبداياته انطلق كجيش تنظيمي زغرتاوي ردا على الصعود الفلسطيني المسلح في لبنان .هذا الصعود الذي تعزز بعد نكسة 1967 ليبلغ ذروته بعد احداث الأردن (1970)، واعلان “منظمة التحرير الفلسطينية” عن تمركزها في لبنان (1970(

ففي صيف 1968 كانت النواة العسكرية الأولى قد تشكلت  متخذةً شكل تدريبات عسكرية، على نطاق محدود، في بقعة قريبة من نبع جوعيت، في اهدن، لتنتقل، مع انتهاء فصل الصيف، الى بنشعي، حيث بدأت التدريبات الجدية لنحو عامين.والهدف هو الحفاظ على مصير وطن مهدد بكيانه.

وكان المخيم اللبناني للتدريب اي "جيش التحرير الزغرتاوي" بحظى باهتمام  وإشراف القائد الأول للمخيم ، والساعي الى انشائه، الوزير الشهيد طوني فرنجية ، على هذا المخيّم، فيزوره، غير مرة في الأسبوع، لمواكبة التدريبات المتواصلة، وينام، حيناً فآخر، في خيمة تكاد لا تتّسع لسرير.

ولم يسجّل، خلال هذه التدريبات، سوى وقوع حادثة واحدة وذلك عندما انطلقت خطأً بعض رصاصات قاتلة من رشاش جوزيف بطرس المصري وهو يقفز، فكان بذلك اول شهيد في قائمة شهداء المردة.

وفي موازاة ذلك كادت الكارثة السياسية أن تقع خاصة بعد أن امتد فراغ الحكم فكان سليمان فرنجية الجد يطلق نداءه الشهير لعقد مؤتمر وطني في اهدن تداركاً للوضع

وحين اندلعت نيران “حرب السنتين” كانت التسمية التي راجت، اي “جيش التحرير الزغرتاوي”، لا تزال ملتصقة بالنواة التأسيسية الى ان حتمت الضرورات الدفاعية خلق تنظيم اوسع نطاقاً، وارسخ هيكلية، فانقلبت التسمية الى “مردة” تيّمناً بما هو شائع عن الموارنة. فظهر “لواء المردة” بشكل تنظيم عسكري مؤلف من خمس كتائب: المردة، لبّيك يا لبنان، أرز لبنان، مجد لبنان والأرز الخالد، تُشرف عليه قيادة سياسية عليا متمثلة بالزعماء السياسيين الخمسة في زغرتا: طوني فرنجية، رينيه معوّض، الأب سمعان الدويهي، سليم بك كرم والشيخ سيمون بولس، وبالتعاون مع ممثلين امنيين عن العائلات السياسية. وقد صهر التنظيم المتجدد ضمن اطاره، بشكل اساسي، مقاتلي زغرتا، مدينة وقضاءً، فضلاً عن صهره سائر المنخرطين في صفوفه.

ومع ان البيان الذي صدر يوم الخميس في 22 كانون الثاني عام 1976، بعد المجابهة مع “لواء اليرموك” حمل توقيع “لواء المردة الزغرتاوي”، فإن بعض الصحف رأت من الضروري إقرانه بعبارة “التجمّع الزغرتاوي” امعاناً في التوضيح بأن صدوره كان عن تجمّع عائلات زغرتا. ومن ثمّ، شاعت التسمية الجديدة.

يعود الى الأب يوسف يمين الذي عرف بـ”ابي المردة” بعث كلمة “مردة” من رقادها التاريخي من خلال رجوعه الى كتاب “تاريخ الطائفة المارونية” للبطريرك اسطفان الدويهي الذي كان ابرز المؤرخين اللبنانيين اثارة لقضية المردة، حسب الإصطلاح المعمول به في لبنان، في القرن السابع عشر.

كما يعود اليه لفت الإنتباه الى علم المردة الذي كان مكوّناً من صليب تحته سيف، فجاء علم التنظيم، في بداية امره، محاكياً له: ابيض يتوسطه صليب مرسوم بالأحمر تعلوه ارزة لبنان، وفي الأسفل كلمة المردة، وفي الزاوية اليسرى: سيف. وذلك قبل ان يتمّ تعديله من خلال مزج العناصر المكونة له، والمشار اليها، آنفاً بعناصر اضافية بعضها مستوحى من العلم اللبناني كالأرزة، واللون الأحمر الذي يرمز الى دم الشهادة، وبعضها الآخر جديد: كالكحلي الدال على البحر الأبيض المتوسط، بحر فينيقيا، والأصفر المشير الى البرق. وقد قام برسم علم المردة، وفقاً للأفكار المطروحة، السيد جون باسيلي قبل ان يحوز على موافقة اولياء الشأن، وقبل ان يصبح رايةً تُرفع فوق المراكز العسكرية، وفي الساحات العامة، وشارة تعلّق على زنود المقاتلين، وتُلصق على السيارات والجدران.

وأما الآن فقد تم تغيير شعار العلم إلى حرف ((PIوذلك يعني البوصلة أي الثوابت والمبادىء نفسها وما إن رجعنا إلى المبادىء التي قام عليها الحزوب نجدها نفسها حرف (PI)

 

ودون ذكر للأحداث التاريخية التي جرت قبيل مذبحة إهدن وبعدها نعرض بعض المنجزات الإقتصادية والإجتماعية التي حققها روبير فرنجية: من التعاونية الإستهلاكية، الى الصيدلية، الى المستوصف، فالتمهيد لإنشاء “مركز الشمال الإستشفائي”، ومن شقّ اوتوستراد الجديدة – الكورة، الى متابعة الشأن التربوي وهموم الحياة اليومية وتنشيط الحركة المصرفية، فترميم الأديرة والكنائس، وما الى ذلك من مشاريع. وهكذا عادت فتابعت راية القيادة وهي تنتقل من يد المؤتمن عليها، اي روبير فرنجية، الى يد رافعها الحالي الوزير السابق والنائب سليمان فرنجية.
الفترة الإنتقالية تلك وضعت حداً لسنوات من التكامل في العمل بين “قيادة المردة” التي اتخذت من مبنى الضمان الإجتماعي الحالي في زغرتا مقراً لها، وبين كتيبة 3.400 التي انشأها الوزير فرنجية، وتمركزت في بنشعي في ثكنة مجهزة بكافة مستلزمات التدريب والصيانة وإقامة المقاتلين. فتوّحدت القطاعات كافة، تحت تسمية واحدة وجامعة: مؤسسة المردة، وذلك اثر قرار اتخذ في بنشعي خلال اجتماع “للمكتب السياسي” ترأسه سليمان فرنجية في 25/10/1990.

وأما نزول سليمان فرنجية الحالي المبكر الى معترك العمل، ومعايشته للناس  نجحا في ابراز دوره، وتنامي خبرته وقد برهن عن صلابة في تحمّل المسؤولية خلال الأحداث التي عصفت بلبنان اثر التوصل الى اتفاق الطائف.

وبغض النظر عن مسيرته السياسية إلا أن الجدير ذكره الرئيس سليمان فرنجية كان قد توصل في وقت ما الى قناعة بأنه لا بدّ من توجيه القوى الشابة في اتجاه التخطيط لقيام لبنان جديد مكان ذاك الذي هدّمت صيغته الحرب، وما تلاها من متغيرات، فهل ستحمل التسوية الحاصلة اليوم انفراجات للشباب؟

الجواب برهن المستقبل القريب.