انتظر الجندي المحرّر جورج الخوري 16 شهراً ليتمكن من العودة إلى كنف عائلته واللهو مع طفليه مايكل وأندرو الذي وُلد فيما كان هو والعديد من رفاقه العسكريين مخطوفين لدى جبهة النصرة.

ويقول خوري الذي يبلغ 30 عاماً وهو يتوسّط والدته وزوجته ماري وطفليه مايكل (4 سنوات) وأندرو (سنة) داخل منزله في بلدة القبيات في شمال لبنان "يا الله كم انتظرت أن أرى ابني مايكل". وأضاف أنّه حين رآه للمرة الأولى بعد خطفه "لم أعرفه فقالوا لي أنظر جيداً وعندها عرفت ابني بدأت البكاء".

ويشير الى ان الابتعاد عن طفليه كان التجربة "الأكثر صعوبة" خصوصا انّ زوجته كانت حاملا بأندرو لدى خطفه. وعندما ولد لم يكن اول من حمل طفله وبقرب زوجته. يصمت لثوان قبل ان تسارع ماري الى القول مبتسمة ومواسية "الحمد لله حياتي مليئة بالفرح الان".

خوري الرقيب في الجيش اللبناني يوضح أنّه تم نقله الى عرسال العام الماضي بشكل مفاجئ بعد خدمته منذ 2005 في أحد المستشفيات العسكرية.

ويضيف: "في الثاني من آب وبينما كنا نحتسي القهوة مع قائد كتيبتنا في عرسال استشهد الرقيب يحيى الديراني برصاصة قنص وبدأت المعركة".

ويستعيد خوري بأسى ما حدث في عرسال في تلك اللحظة. ويقول فيما والدته تصغي وملامح الخوف على وجهها "أتى إليّ أحد الجنود وقد خرقت رصاصة أحشاءه قائلاً لا أريد أن أموت، أريد العودة إلى أولادي".

ويروي كيف انّ جنديا آخر اصيب امام عينيه برصاصة في رأسه عندما كان يحاول تأمين الغطاء الناري ليتمكّن رفاقه من التحرّك من المكان الذي كانوا محاصرين فيه مع تقدم المسلحين.

بعدها بدقائق، وجد خوري نفسه محاصراً من قبل المسلحين الذين "كانوا مقنعين ومدججين بالسلاح". ويقول "أذكر أنّ عشرين منهم على الاقل التفّوا حولي وتعهد أحدهم بألا يقتلني إذا سلمت نفسي".

ويشير إلى أنّ أحد المسلحين سارع الى أخذ هاتفه الخلوي منه قبل أن يصار الى نقله من مقره ووضعه مع اخرين داخل شاحنة صغيرة نقلتهم الى احد المساجد في عرسال.

ويضيف "داسونا بأرجلهم وشتمونا وأهانونا ولكنّني لحسن حظي لم أتعرض للضرب".

وأكد خوري أنّ العسكريين المخطوفين ظنوا حينها ان محنتهم لن تدوم طويلا. ولكن مع اشتداد حدة المعارك، ابلغهم المسلحون بانه سيتم نقلهم الى "مكان آمن" تبين انه عبارة عن مغارة، لتبدأ بعدها مشقة التنقل بين الكهوف حيث استقر ورفاقه لمدة 16 شهرا.

ولم تكن الاسابيع الاولى سهلة على المخطوفين الذين امضوا اياما طويلة وسط الظلام ومعصوبي الأعين لساعات الا حين تناولهم الطعام او قضاء حاجاتهم، بحسب خوري.

وللحفاظ على معنوياتهم مرتفعة، كانوا يقضون وقتهم في التحدث عن عائلاتهم، آملين بالعودة الى منازلهم.

خلال فترة الخطف، تعدّدت طرق التعامل مع العسكريين. يقول خوري انّ بعض حراسهم كانوا يتحدثون معهم احيانا ويسمحون لهم بالتجوّل في الخارج وكانوا يستمعون منهم إلى دروس في الشريعة الاسلامية. وعلى الرغم من كونه مسيحيا، يشير خوري الى انه لم يتعرّض لاي ضغط ليتحول الى الاسلام.

لكن مجموعة اخرى من الخاطفين كانت تلجأ الى تكتيكات نفسية مختلفة، بحسب خوري، على غرار اطلاق المفرقعات النارية في الخارج لإيهام العسكريين بأنهم معرضون لخطر الموت.

وبعد مرور اكثر من شهر على خطفهم، أعدمت جبهة النصرة الجندي محمد حمية. ويقول خوري "بكيت حينها لمدة يومين على التوالي"، مضيفاً أنّه بعد ذلك تمّ فصل الجندي علي البزال، المنتمي وحمية إلى الطائفة الشيعية، عن المجموعة ونقله الى سجن انفرادي حيث عانى طيلة اسابيع عدة من العزلة وسوء التغذية قبل ان يتم إعدامه أيضا.

ورغم حالة الاحباط والخيبات التي عاشها العسكريون مع تعثّر جولات تفاوض عدة لاطلاق سراحهم وطول مدة احتجازهم، لم يفقدوا الامل بالعودة الى عائلاتهم واستعادة حياتهم الطبيعية.

ويوضح خوري انه تبلغ ورفاقه الاسبوع الماضي بوجود صفقة للافراج عنهم وسمح لهم الخاطفون بالاستحمام وارتداء ثياب نظيفة والاستعداد للمغادرة.

ولدى وصولهم الى نقطة محددة في جرود بلدة عرسال قبل اجراء عملية التبادل الثلاثاء، أبلغوا بتعثر المفاوضات مجددا. واشار خوري الى أنه بدأ يرتجف من شدة القلق وانصرف الى الصلاة خوفاً من تلاشي حلمه بالعودة.

وبعدها بقليل، تمّ نقله مع عدد من رفاقه الى سيارة اسعاف للصليب الاحمر تولت ايصالهم الى حاجز للجيش اللبناني.

وقبل وصوله الى حاجز الجيش، أجرى خوري اتصالاً بوالدته من هاتف خلوي كان بحوزة أحد افراد طاقم سيارة الاسعاف. ويضيف "قلت لها أمي انا جورج فاجابتني جورج من، قلت لها أنا ابنك وبدأت تصرخ من الفرح".