مَن من اللبنانيين، مدنياً كان أو عسكرياً، طفلاً أو مسناً، قريباً أو بعيداً، لم يفرح بعودة العسكريين الـ16 إلى ربوع الوطن، محررين من قبضة تنظيم "النصرة" الإرهابي بعد 485 يوماً من الأسر في أسوأ ظروف يمكن أن يتخيلها العقل؟ ألم يشعر كلّ من تابع الإستقبالات التي أقيمت لهم من لحظة تحريرهم إلى حين لقائهم بذويهم، أنه معنيٌّ شخصياً بهذا الانتصار الكبير؟ وأنه شريك في الفرحة والدموع والزفّة التي أقيمت لمن كتبت لهم ولادة جديدة بعد 16 شهراً من العيش بين الحياة والموت؟ مع العلم أن قضيتهم ليست الأولى في لبنان التي تنتهي بنهاية سعيدة، بل سبقتها قضية مخطوفي أعزاز الـ9 منذ حوالى سنتين، في بلدّ قلّت فيه الانجازات السعيدة إلى حدّ التشاؤم من الفرح!!

وإذا كانت "الغصة" مستمرة مع وجود 9 عسكريين أسرى لدى تنظيم "داعش"، فقد بدا أن للحدث المهم وقعٌ آخر لدى بعض المتابعين. الرأي العام انقسم إلى قسمين حول بعض التصريحات التي وردت على ألسنة العسكريين لحظة تحريرهم وبعدها، وفهم منها أنها دفاع عن تنظيم إرهابي هو جبهة "النصرة" التي تشكل فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا. فمنهم من أسف وشعر بأن وطنيته مُست ممن قال "شكراً النصرة" أو "شكراً أو مالك التلي" أو "شكراً مصطفى الحجيري"، أو أشاد بالطريقة الحسنة التي عوملوا بها خلال فترة الأسر. وقد وصل الغضب بأحدهم إلى تمني لو لم تتم الصفقة ولم يرجع العسكريون، وغرّد آخرون "الكرامة ولا الذل". أما القسم الثاني فقدّروا ظروفهم وحالتهم النفسية وما مروا به من لحظات قد لا تكفي الكلمات لوصفها والتعبير عنها وكلّ ذلك يستلزم عدم اعتبار كل ما يقولونه، وخصوصاً العتب على الدولة وأجهزتها لتأخرها باستردادهم، انفعالات لا تعبر بدقةعن حقيقة المشاعر والموقف.

بين الصدمة واليأس والخوف

لكن ولأن المسألة لا زالت "غصة" في نفوس البعض، كان لا بد من الإستعانة بطبيب نفسي يشرح الحالة النفسية للعسكريين، وهل هم فعلاً مقتنعين فعلاً بما يقولون، وبأن جبهة النصرة مسالمة بعد كل العذابات والتشريد والآلام وليالي الأسر الباردة التي عاشوها؟

الدكتور نبيل خوري الأخصائي في علم النفس العيادي يؤكد لـ"لبنان 24"، أن "الرهائن والأسرى بعد الخطف يكونون في حالة من الصدمة واليأس والخوف، خصوصاً أنه من المعروف أن من اصطادهم مجموعة من القتلة، لذلك يشعرون دائماً بأنهم مهددون في أي لحظة بالإعدام"، ويضيف: "في المرحلة التالية نستطيع ان نتحدث عن حالة تطبيع تحصل بين الأسرى والسجانين، وهي المرحلة التي يبدأ فيها السجين بتقبل وضعه الجديد، منتظراً الفرج والحرية، مع الإشارة إلى أن إعدام الشهداء الأربعة علي السيد، ومحمد حميه وعلي البزال وعباس مدلج زاد من نسبة الخوف لديهم والنقمة على الدولة، التي، من منظارهم، تخلّت عنهم".

ويتابع خوري: "فيديوهات البكاء والصراخ والإتهامات التي وجهوها الى الدولة لا تعكس بالضرورة أنهم كانوا مجبرين على قولها، وإلا لوجب منحهم أوسكاراً في التمثيل، فالتسجيلات تؤكد أنهم كانوا في حالة لا يحسدون عليها وأنهم وصلوا إلى حالة من اليأس الفعلي".

هذا في مرحلة الأسر، فماذا عن مرحلة ما بعد التحرير؟ يقول خوري: "أما عندما حرروا، فهناك 3 حالات يجب أن تطرح وتُفسّر علمياً على الشكل التالي:

الحالة الأولى: طول مدة الأسر التي ولّدت عندهم حالة نفسية تسمى "متلازمة ستوكهولم"، وهي حالة من "الحب" بين الآسر والمأسور، وأسبابها أن الضحية تكون تحت ضغط نفسي كبير، وهنا نستطيع ان نقول إنهم انتقلوا إلى الحالة الثانية، وهي الحالة التي قد تطول مدة من الزمن، اما الحالة الثالثة فهي: غسيل الدماغ وهي تُبنى على أساس النقمة على الدولة "بمنظارهم" طبعاً، وهي حالة تتولد مع الضغط والقساوة في طرح الأفكار الراديكالية أمامهم، فمثلاً قد تحدثهم نفسهم بأن "دولتكم التي تنتمون إليها تركتكم 16 شهراً"، وبالتالي بشكل غير مباشر، يمدحون الجهة الأخرى".

3 أسابيع متابعة نفسية

في سياق آخر، يشدد خوري على أهمية "أن يخضع العسكريون إلى تقييم نفسي، والانتظار ثلاثة أسابيع لنرى حقيقة حالتهم النفسية بوضوح أكثر، وهو ما سيحدد إن كانوا صالحين نفسياً لمواصلة خدمتهم في السلك العسكري أم لا".

ويعتبر خوري أن "الحد الأقصى لحالتهم هو أن هؤلاء العسكريين في حالة من الاحتقان السياسي والمذهبي الذي يلتقي مع طروحات شبيهة بالنصرة وانسجام متناهي مع أفكارها، أي أنهم مقتنعون أن جبهة النصرة غير ارهابية، أما الحد الادنى فهو أن ما يعبرون عنه هو وجهة نظر سياسية تشبه حالة من قدّم جلسة الشاي لجنود اسرائليين في ثكنة مرجعيون في حرب تموز 2006، أي أن قوة غاشمة أجبرتهم على تقبل الواقع".

ويشرح خوري أن "هناك فرق في القناعات بين أسير وآخر، والأهداف تبنى من قاعدة التربية والبيئة الحاضنة لهم، ولهذا السبب نجد اختلاف في طريقة التصرف بعد الأسر"، مشدداً على أن "أهالي العسكريين لدى داعش بحاجة إلى مساعدة نفسية سريعة".

ليبانون ديبايت