على سريره حيث نام لـ22 عاماً، وضعت شادية حدرج ثياب ابنها التي سيخرج بها ويتوجّه إلى بيروت بغية ملاقاة خطيبته. من بعيد سمعت صوته يناديها كما يحلو له أن يناديها: "يا شادية جهزت الحمام، شكراً لك يا أغلى شاديتي".

يومها كان الفرح بادياً على محياه. وما إن لبس ثيابه حتى كاد أن يطير من الفرح. ودّعها وذهب على عجل للقاء حبيبته التي لم يمض على إعلان خطوبتهما سوى شهرين.

أمّا في بيروت، فكان من المفترض أن يتناول الجندي فضل حلال طعام الغداء مع عدد من أفراد عائلة خطيبته. اتفق على ذلك مع خطيبته في يوم مأذونيّته العسكريّة. مرّ عليها في ذلك اليوم، ثم انطلقا على دراجته الناريّة لإحضار شقيقة خطيبته من منطقة الشويفات.

القدر قاد حلّال وخطيبته إلى سلوك طريق برج البراجنة وتحديداً إلى عين السكة. والقدر أيضاً قاد الاثنين إلى أن يكونا مارّين في هذه اللّحظة التي قرّر فيها انتحاريان خطف أرواح الموجودين في المكان.

وبأعجوبة نجت خطيبة حلّال بعدما ردّ جسده الشظايا عنها لتصاب بجروحٍ طفيفة. ولكن منذ 12 تشرين الثاني، لم يستفق حلّال من غيبوبته، إذ إنّه أصيب إصابات خطرة في رأسه وصدره وبطنه ورجليه.

.. وبعد 20 يوماً، كان حلّال قد ارتقى شهيداً.

في منزل ذويه في حبوش كان الهدوء مخيّماً. يحاول الأهل استيعاب الصدمة برغم أنّهم كانوا يتوقعونها في كل لحظة، جراء حالته الحرجة. وبصبر نادر وحرقة، تردّد الوالدة كم كانت فخورة بابنها الأكبر الذي لم يكن يخرج إلا نادراً. "من البيت للخدمة. ومن الخدمة للبيت"، تردّد قبل أن تتذكّر خصال فضل الذي كان "مؤمناً وعصامياً ويصلي ويصوم ويعبد ربه ويستمع دائماً للأناشيد الدينية. إنه عريس لم يهنأ بعروسه".

وبحسرة تدعي الوالدة شادية على أولئك الذين حرقوا قلبها، وإن كانت مطمئنة أنّ ابنها شهيد "سيدخل الجنّة، وأن القاتلين سيدخلون النار لأنهم قتلوا أشخاصاً أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل".

وقد شيّعت قيادة الجيش اللبناني وأهالي بلدة حبوش والجوار الجندي حلال في موكب مهيب وحاشد، عصر أمس، تقدمه حَمَلة الأكاليل، وحُمل النعش على أكتاف رفاقه العسكريين. فيما أدت ثلة منهم التحية العسكرية له قبل مواراته في الثرى، في جوّ من الحزن والأسى ونثر الأرز والورود وزغردات النسوة.

لبنان 24