وأخيراً تمّ إنجاز الحلقة الأولى في صفقة العسكريين المختطفين منذ سنة وأربعة أشهر بنجاح وطني واضح في الجانب المتعلق بجبهة النصرة ، فيما بقي الجانب المتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية داعش وهو الأكثر تعقيداً ويلفه الكثير من الغموض مع شح في المعلومات حول مصير العسكريين التسعة الذين يختطفهم هذا التنظيم الإرهابي وعن مكان احتجازهم بانتظار توافر الظروف والمعطيات التي قد تساعد وتخلق أجواء أكثر ملائمة لأتمام الصفقة بنجاح آخر في الحلقة الثانية .

فبعد جهود مضنية ومفاوضات غاية في التعقيد قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وشاركت فيها أطراف داخلية ودول إقليمية تمّ التوصل إلى نهاية سعيدة لعملية التبادل بين الدولة اللبنانية وجبهة النصرة التي أفرجت عن ستة عشر عسكرياً مع جثة الشهيد محمد حمية كانت تحتجزهم في جرود عرسال مقابل الإفراج عن عدد من السجناء والسجينات تمّ إطلاق سراحهم من السجون اللبنانية في إطار صفقة فيها الكثير من التفاصيل منها وصول مساعدات غذائية إلى سكان مخيمات للاجئين السوريين تقع في محيط بلدة عرسال وتوفير طرق آمنة تربط البلدة بجرودها حيث ينتشر مسلحو الجبهة لتأمين وصول كافة احتياجاتهم اليومية من غذاء واستشفاء وغيره .

وفي وصف مشهد العسكريين المفرج عنهم فإنّ أقل ما يقال فيه أنّ الخارج من أسر الجماعات الإرهابية مولود والداخل إليه مفقود .

لا شكّ أنّ إتمام صفقة مبادلة العسكريين المختطفين بمطالب جبهة النصرة وشروطها فيما فشلت في الأشهر الماضية لا يمكن فصلها عن التطورات السياسية.

وبديهي القول أنّه ما كان لهذه الصفقة أن تتم بنجاح لولا ضوء أخضر إقليمي - دولي ، ولولا تقبل داخلي بحيث بدا فيها الأطراف المشاركون في إتمام الصفقة جميعاً وقد نالوا مكاسب وجنوا أرباحاً بشكل متفاوت.

فدمشق وطهران ساهمتا كل من موقعها بتوفير أسباب نجاح الصفقة ، وفي المعلومات أنّ الحكومة السورية أفرجت عن عدد كبير من الذين طالب الخاطفون بإطلاق سراحهم من السجون السورية في حين أن طهران بدت وكأنها تسبغ غطاء بركتها على هذه الصفقة من ألفها إلى يائها.

أما جبهة النصرة فقد بدت وكأن الصفقة تمت بكامل شروطها السابقة واللاحقة.

ثمة من يربط بين إنجاح عملية إطلاق سراح العسكريين وظهور مفاجئ لملامح صفقة سياسية في الآونة الأخيرة وتبدت أكثر ما يكون في بروز دلالات تؤشر لإمكان ملء الشغور الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام ونصف.

وفي هذا الإطار يمكن الاستنتاج بأن تسمية النائب سليمان فرنجية لملء سدة الرئاسة الأولى هي صفقة ذات أبعاد داخلية واقليمية ودولية وتأتي في إطار مساعي ترمي إلى تحييد لبنان بالمعنى الإيجابي عن صراعات المنطقة والشروع بترتيب أوضاعه كونه العقدة الأسهل في ظل المراحل الإنتقالية في المنطقة التي كثر الحديث عنها في أعقاب اجتماع فيينا المتعلق بالوضع السوري.