لم يتسنّ لرقية منذر (22 عاما) أن تحتفل ككل أم بعيدها مع طفليها، أو أن تغمر جنينها المتقوقع في أحشائها. ففي آذار الماضي، وقبل يوم واحد من عيد الام، غدرها زوجها "محمد منذر" بطلقة نارية أصابتها في صدرها بعد أن عنفها، ولم يكتف بجريمته، بل انتظر نصف ساعة وهو يشاهدها تحتضر على مرأى عينيه دون أن يشعر بالندم، فاقداً كل المعاني الإنسانية التي تخوله أن يكون كائناً بشرياً.

عبثاً حاولت رقية أن تطلب النجدة والرحمة من رجل لم يفقد فقط عقله وضميره ، بل فقد أيضاً أحاسيس الأبوة بعد أن اخترقت رصاصاته جسد زوجته لتقتلها وتقتل جنينه الذي لم يبصر النور، وذنبها الوحيد أنها ضاقت ذرعاً من معاملته السيئة وغيرته وتعنيفه الدائم لها، فطلبت الطلاق مراراً.

 

"قَتلها.. قَتلها"

هذه الرواية التي تؤكدها زينة، شقيقة رقية منذر لـ"لبنان 24"، شارحةً تفاصيلها الموجعة: "سمعنا أحدهم يقول قتلها قتلها لنعلم بعدها أن محمد قتل رقية. بعد وقوع الجريمة، اختبئ محمد عند أهله، الذين يسكنون في البناية نفسها على طريق المطار ونحن تفصلنا عنها بناية واحدة، وبعد التفكير نصحه والده بتسليم نفسه والقول إنها انتحرت، ثم قاموا بنقل رقية التي صفّي دمها بعد نصف ساعة إلى المستشفى، والده قال لهم: "لا تصرخوا كي لا يعرف أحد بالجريمة".

تؤكد زينة أنه "في تلك الليلة المشؤومة لم يكن طلب الطلاق هو السبب الرئيسي، فرقية كانت تطلب الطلاق مراراً، على الرغم من أن زواجهما كان عن قصة عشق وغرام"، لافتةً إلى أنه "كان يفرض سيطرته عليها ويمنعها من رؤيتنا"، مضيفة إن "إخلاء سبيله ظلم مضاعف على أختي التي لم يجف دمها بعد سنة و 8 أشهر من حدوث الجريمة، ستبقى الحرقة طول العمر، هي وجع العمر".

 

قبل أيام، وتحديداً في 27 تشرين الاول 2015 أصدرت الهيئة الإتهامية قراراها بإخلاء سبيل محمد منذر مقابل كفالة مالية قيمتها 20 مليون ليرة لبنانية، مع العلم أن القرار الظني أثبت أن محمد قاتل، هذه المفارقة المستغربة علّقت عليها جمعية "كفى" بالقول: "نحن نضيء على الظلم اللاحق بالنساء في قوانين الأحوال الشخصية خلال حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء، يطالعنا قرار الهيئة الاتهامية بخبر إخلاء سبيل محمد منذر، قاتل زوجته رقية منذر التي عنّفها لسنوات حتى الرصاصة الأخيرة عشيّة عيد الأمهات في العام".

"كفى": مفارقة مستغربة

وفي حديث مع الناشطة مايا عمار لـ"لبنان 24"، أشارت إلى أن "المفارقة في القرار أنه في الوقت الذي أُثبتت التهمة على محمد بمقتضى المادة 547 عقوبات، أخلي سبيله!"، مؤكدةً انه "منذ عام 2013 حتى الآن لم تحصل هذه المفارقة خلال متابعتنا للملفات المشابهة".

وأشارت عمار إلى أنه "في اليوم الذي أطلق سراح محمد، قام عدد من أقاربه بإطلاق رصاصات الإبتهاج فرحاً بحرية لا يستحقها، لتصيب إحدى الرصاصات جدة وأحد أقارب رقية"، لافتةً أن "هذا الأمر حصل عمداً وهم حالياً يتواجدون في المستشفى في قسم العمليات، الجدة أصيبت في خدها والقريب في رجله"، متسائلةً: "من يتحمل مسؤولية هذا الإجرام بحق رقية وعائلتها الذين لا يستوعبون أن قاتل إبنتهم أصبح حراً طليقاً، وخصوصاً انه يسكن في الحي المقابل وقد يلتقون به في أي لحظة؟".

 

جريمة أخرى

تضيف عمار شارحة أنه "أُعلمنا أنهم سيقومون بأمور استفزازية ومنها إطلاق الرصاص ابتهاجاً، لكن الأمر تطور ليتخلله إشكال وإطلاق رصاص من جانبين، وبعد انتهاء الإشكال وفيما كنا متواجدين في البيت، أطلقوا الرصاص باتجاهنا، ما أدى إلى إصابة جدتي في خدها وقريب العائلة في رجله، وهما حالياً في غرفة العمليات".

 

"جناية" لا "جنحة"

بدوره، وكيل الدفاع عن رقية منذر المحامي سمير عبد الله قال لـ"لبنان 24"، أننا "جميعنا نسأل لماذا هذه المفارقة في هذه القضية، وأنا شخصياً أستغرب هذا القرار بعد صدور اتهام بحق القاتل بجناية وليس بجنحة"، مشيراً إلى أننا "لا نستطيع التدخل أو مناقشة قرار المحكمة، فهي لديها استقلالية وسلطة مطلقة لاتخاذ القرارات".

 

وأضاف: "سيتم إحالة الملف الى النيابة العامة ثم إلى محكمة الجنايات لتعيين جلسة المحاكمة، وسنعمل حالياً على اتخاذ تدابير لتسريع وتيرة المحاكمة، والأهم أن لا تموت القضية"، مضيفاً: "من المهم أن تكون المدة الفاصلة بين حدوث الجريمة وإصدار حكم العقوبة قريبة، وذلك حرصاً على أن تأخذ العدالة مجراها ويكون عبرةً للآخرين".

 

وأكد عبد الله أن "الهيئة الإتهامية قررت اتهامه بمقتضى المادة 457)القتل القصدي)، تعدّ مرتكبها قاتلاً عن قصد وبامتلاكه النيّة الجرميّة، أي ليس عن سابق تصوّر وتصميم، والتي تنص على عقوبة الاشغال لمدة 15 عاما".

 

وداعاً كبيرة.. لكن إلى متى؟

وداعاً مارغريت طنوس، ومنال عاصي، وكريستال ابو شقرا ورقية منذر.. وآخريات فقدن حياتهن أملاً في نيل الحرية، فماذا عن اخريات لازلن يعانون من ظلم التعنيف الأسري ويكتمون آلامهن بالصمت.. او القتل؟

وإن كان ميزان العدل القضائي يسمح بمحمد أن يُترك حراً طليقاً بينما تنتظر عائلة رقية أن يُكتب لابنتهم عمراً جديداً بعد إصدار الحكم بأشد العقوبة عليه، لترقد روحها بسلام، فإن من العدل أن نستذكر معاً أسماء 11 سيدة قُتلن على أيدي أزواجهن أو أبنائهن أو والدهن أو شقيقهن في 2014 و 2015 وهن: فاطمة النشار (10 كانون الثاني) على يد زوجها، منال عاصي (7 شباط) على يد زوجها، كريستال ابو شقرا (18 شباط) مسممة بالديمول بواسطة زوجها، مارغريت طنوس (18 شباط) على يد زوجها، رقية أسعد منذر (26 آذار) بعد أن أطلق زوجها عليها النار وكانت حاملا بجنينها، مريم الخطيب (6 أيار) مقتولة على يد ابنها، وفاء سوفان (4 حزيران) على يد والدها بالرصاص، سلوى الاحمد (26 حزيران) على يد شقيقها، نوار الخالد (21 آب) ذبحاً من قبل خالها، سلام محمد (9 أيلول) على يد زوجها، نسرين روحانا (10 كانن الأول) وُجدت جثة هامدة في وادي نهر ابراهيم، ليتبين ان زوجها قتلها، بالإضافة إلى أخريات في 2015 كسارة على الامين التي قُتلت على أيدي زوجها علي الزين بـ17 رصاصة.

 

لبنان 24