"ان جبهة النصرة هدفها الجنوب ‏السوري، وستتّجه جنوباً من أجل تحرير الاراضي السورية، وليس لها أي هدف داخل الاراضي اللبنانية ولا تعتبر الجيش اللبناني عدوًّا، ‏وتطالب الحكومة والجيش بالتعاطي معها على هذا الاساس، ولا تريد من الدولة الا احتضان اللاجئ السوري ريثما يعود إلى ‏بلاده، وينسحب حزب الله من القرى التي هُجِّر سكانها إلى عرسال وجوارها". إنها رسالة أمير "النصرة" في القلمون أبو مالك الشامي للدولة والجيش، نقلها رئيس مؤسسة "لايف" نبيل الحلبي وهيئة علماء القلمون إلى قيادة اللواء الثامن واللواء عباس ابرهيم قبل ساعات من اتمام صفقة التبادل وتحرير العسكريين.

تمّ طيّ الملف، وبدأ الحديث عن ما بعد الصفقة، خصوصاً في ما يتعلق بالبنود التي اعتبرها البعض تستهدف سيادة لبنان وأمنه، وتحديداً البند الذي يحدّد وادي حميد كمنطقة آمنة، ومعها الممر الآمن بين الجرود 

والبلدة، والبنود كما نشرتها النصرة هي:

 

- فتح ممر آمن بين عرسال وجرودها للمدنيّين بشكل دائم (رجال ونساء وأطفال) وهذا الشرط ملزم.
- تأمين اغاثة بشكل شهري للاجئين في عرسال والجرود (آلية) هيئات.
- تأمين سيارات اغاثة حالياً في عرسال عدد 8.
- تأمين سيارات اغاثة حاليا في جرود عرسال عدد 5.
- تأمين الجرحى في عرسال إلى تركيا بحسب حالتهم ضمن الامكان.
- تأمين الجرحى وتسوية وضعهم القانوني في لبنان مع الاقامة.
- تأمين مواد طبّية مع تجهيز المشفى في عرسال.
- منطقة وادي حميد آمنة للمدنيين.
- تأمين كافة "أسرانا" إلى جرود عرسال ثم تخييرهم عن رغبتهم الانتقال إلى حيث يشاؤون".


ونشرت "النصرة" في بيانها أسماء الذين تمّ الافراج عنهم ضمن الصفقة وعلى رأسهم جمانة حميد.
هذه البنود دفعت البعض إلى اعتبار عرسال شبه خارجة عن سيطرة الدولة، إلا أن ما قام به الجيش اللبناني اليوم باستهداف مواقع "النصرة" في الجرود، يؤكّد أنه لا يزال مستمراً في منع دخول أي مسلح إلى لبنان، وأوضحت مصادر مطلعة أن "المنطقة التي استهدفها الجيش في الجرود ليست ضمن الاتفاق المبرم، وبالتالي ما حصل لا يخرق بنود الصفقة"، نافية "سقوط أي جريح أو تدمير أيّ آلية بالصواريخ التي استهدفت المواقع في الجرود". فماذا عن وادي حميد؟


تواصلت "النهار" مع مدير مؤسسة "لايف" نبيل الحلبي، الذي ساهم في وضع بنود الصفقة وتنفيذها وتذليل العقبات وأشرف على تنفيذها، ويذكّر بأن "بنود الاتفاق القانونية تمّت المصادقة عليها من أربعة أطراف: الحكومة اللبنانية ممثلة باللواء عباس ابرهيم، مؤسسة "لايف" ممثلة بنبيل الحلبي، دولة قطر ممثلة بالموفد القطري، وجبهة النصرة".


البند الأكثر إثارة كان تحويل وادي حميد إلى منطقة آمنة، فأتى الاعتراض من بعض المراقبين على ان ذلك سيتيح حرّية الحركة لـ"النصرة" في المكان، لكن الحلبي يوضح: "وادي حميد ستكون منطقة آمنة للسكان المدنيين العراسلة واللاجئين سوريين، فمنذ آب 2014 وخطف العسكريين لم تعد بأمان، ويتم قصفها ما يؤدي إلى سقوط جرحى من اللاجئين، فيما قبل آب كانت آمنة، وكانوا يتنقلون من الجرود إلى عرسال بشكل طبيعي وتدخل المؤسسات الاغاثية"، مشددا ًعلى أن "الجيش إذا شاهد مسلّحين في وادي حميد يحقّ له استهدافهم فهو يستطيع أساساً أن يراهم بالعين المجردة".


الممر الآمن شكل عنصر قلق بالنسبة إلى اللبنانيين، خصوصاً الذين يرون في كلّ لاجىء ارهابياً. لكن الحلبي يؤكد أن "أي شخص يريد دخول عرسال ستكون محطته الأولى حاجز الجيش، والممر للمدنيّين فقط وليس للمسلحين، وأي شخص ليس مطلوباً للقضاء أو للأجهزة الأمنية ولديه اوراقا ثبوتية واقامته قانونية على الارضي اللبنانية يمكنه أن يدخل، وسيؤمن الممر فرصة للاجئين في المخيم أن يصلوا إلى مقر الأمن العام لتسوية أوضاعهم القانونية، لأن هذا المخيم كان معزولاً طوال سنة و4 أشهر، أما من لا يملك أوراقاً ثبوتية فيبقى في المخيم ويذهب شخص آخر عنه ليؤمن له الحاجيات، لكن يكون وضعه في المخيم أصبح أفضل وآمنًا".


المظاهر المسلحة التي ظهرت بها "النصرة" على الأرض اللبنانية كانت مرعبة، وراح البعض إلى جعل البنود وسلية لاعطاء "النصرة" حرية الحركة في وادي حميد وصولاً إلى قلب عرسال، وينفي الحلبي ذلك، مذكراً بأن "منطقة وادي حميد هي على مرمى نيران الجيش اللبناني، وليست ممرا آمناً للمسلحين، والمظاهر التي شاهدها الناس كانت لحماية عملية التبادل وقامت بها جبهة النصرة خوفًا من تسلّل عناصر داعش لتعطيل العملية". فهذا التنظيم الأخير يتمركز في جرود القاع لكن النصرة كانت تخشى بحسب الحلبي أيّ عملية تسلّل مفاجئة، ويقول: "كان الاتفاق على استنفار النصرة بمعرفة الجيش اللبناني وتحت أنظاره، لأنه كان هناك وقف اطلاق نار لمدة 48 ساعة تمهيدًا للصفقة، وهذه المظاهر كانت ظرفية، وكان هناك أيضا استنفار للجيش قبل الحاجز لإتمام العملية".


وكشف عن أن البند المتعلق بتأمين جرحى إلى تركيا "تم شطبه لأنه مستحيل، ولهذا السبب وضع في نهاية البند كلمتي "قدر الامكان"، لأنه لم يتمّ التشاور مع تركيا بهذا الموضوع لزجّ اسمها، لكن تمت الموافقة على تأمين الجرحى من اللاجئين داخل الاراضي اللبنانية". مؤسسة "لايف" تنتظر الأسماء من هيئة القلمون لتنقلها إلى قطر والحكومة "ليتم حماية الجرحى وتأمين معالجتهم وقطر تضمن ألا تتم ملاحقة أيّ منهم، ويتلقون العناية من خلال مؤسسات انسانية".
غالبية البنود يتمّ تنفيذها بعد تحرير العسكريين فما الضمانات؟ يجيب الحلبي: "دولة قطر، وإذا أخلّ بالاتفاق يتم ابلاغ الحكومة وإذا لم تحلّ المشكلة، فنحن نبلغ قطر التي ستعود للتواصل مع الحكومة الممثلة باللواء ابرهيم".
دور "حزب الله" في الصفقة كان لامعاً ومستغربا في الوقت نفسه، فلا علاقة له بتأمين وادي حميد التي هي تحت سيطرة الجيش، لكن دوره يكمن "في التواصل مع النظام السوري لاطلاق بعض الاسماء المعتقلين في سوريا، وفي عدم رفض إطلاق سراح جمانة حميد على الاراضي اللبنانية" بحسب الحلبي الذي أعاد السبب إلى "شخصية اللواء ابرهيم المحبوبة من جميع الاطراف السياسية وبشكل خاص من حزب الله والنظام السوري".


ولم يشاهد الرأي العام عملية الافراج عن أسرى في السجون السورية، لكن الحلبي يؤكد اتمام الأمر ويقول: "عادوا إلى عائلاتهم بشكل طبيعي"، ولم يأخذ أي شخص خيار التوجه مع "النصرة" إلى الجرود، بل فضلوا جميعهم البقاء في لبنان وتسوية أوضاعهم، ويضيف الحلبي: "سجى الدليمي لديها طفل عمره ثلاثة أشهر ماذا ستفعل في الجرود؟ وجمانة حميد وحسين الحجيري أوصلناهما إلى منزلهما، وتم تبييض صفحتهم جميعاً قانونيا وقضائيا وتسوية اقامة السوريين وترك لهم خيار السفر من عدمه".


ويبقى مصير الشيخ مصطفى الحجيري بيد القضاء اللبناني، فهو رفض زج اسمه في الصفقة، ويوضح الحلبي: "وضعت النصرة اسم الحجيري قبل يومين لتسوية وضعه القانوني، لكن هذا الأمر لم يكن طبيعيا لأننا كنا قد اتفقنا على البنود قبل التنفيذ بأربعة أيام، وكنا جاهزين للتنفيذ، وحتى لا تتعرقل العملية أعلن الحجيري رفض زجّ اسمه في في القائمة لأنه غير مرتبط بجبهة النصرة، ونحن تواصلنا مع رئيس الحكومة والنائب وليد جنبلاط والوزير وائل ابو فاعور، وهم متضمانون معه ويعرفون ما قام به، ووضعه بات بيد القضاء اللبناني وعلى مفوض الحكومة مراجعة الموضوع، فالكل تواصل مع "النصرة"، جنبلاط وأنا وسياسيون كثر من أجل قضايا انسانية وبقرار ومعرفة الحكومة اللبنانية".