شهدت عمليات القتل والتفجير التي يقوم بها تنظيم داعش ارهابا باسم الاسلام قفزة اجرامية عالمية في الاسابيع الماضية، فمن تفجير الطائرة الروسية في مصر، الى تفجيري برج البراجنة الدمويين في الضاحية الجنوبية لبيروت، الى عمليات حصد المدنيين وقتلهم في باريس وغيرها، هذا فيما يصر بعض الاسلاميين الذين يستكرون هذا الارهاب، على اننا ما زلنا نعيش صحوة اسلامية، فما هو رأي سماحة العلامة المفكّر الاسلامي السيّد محمد حسن الامين في ذلك، وكيف يوصف تلك المأساة المتعدّدة الأبعاد التي نعيشها؟

 

يجيب العلامة الامين محللا الوضع الذي انتهينا اليه بقوله ان “اللافت في التطورات الأخيرة التي شهدها لبنان وشهدتها فرنسا، هو أن الإرهاب انتقل من الساحة الإقليمية إلى الساحة الدولية، ويهمني هنا أن أشير إلى عامل ثقافي أيديولوجي للمنظمات الإرهابية “الإسلامية”، وهو أن المشروع الإسلامي في ثقافتهم ذاهب إلى تحرير أوسع منطقة في العالم، انطلاق من أن الدعوة الإسلامية ليست مقتصرة على منطقة دون أخرى، هذا محتوى التعبئة الذي يتلقاه أفراد هذه الجماعات، ولكنها بالرغم من ادعائها هذا المحتوى الإسلامي، نرى أنها تمثّل أسوء مرحلة من مراحل التخلّف والتراجع في التاريخي الإسلامي، ومن الواضح أن هذه الجماعات لا علاقة لها بالمحتوى الفكري والعقائدي والروحي للدعوة الإسلاميّة، ونرى في تبنّيها شعار الإسلام مظهراً خادعاً المقصود منه توفير حاضنة عاطفيّة دينيّة لهذا النوع من السلوك الذي يتنافى مع أبسط مبادئ المفاهيم والأخلاق الإسلامية والإنسانية، ونرى أن اتساع واشتداد عزوة هذه القوى، لما لها مصادر سياسية إقليمية ودولية، ونحن في هذه المرحلة وأمام هذه الظاهرة نريد أن نوجه الاهتمام إلى المغزى الأهم والأخطر الذي تمثله ظاهرة العنف هذه، وهي أن هذه الظاهرة شئنا أم أبينا، هي أقوى من كلّ جهد فكري أو ثقافي يبذله الوعي الإسلامي المتقدم في شرح المحتوى الإنساني للعقيدة الإسلامية أمام الاجتماع الإنساني والاجتماع الغربي بصورة خاصة، فإن آثار مثل هذه العمليات الهمجية ستكون من جديد حافزاً أكبر لتعميم الرؤية المتطرفة عند عدد من الغربيين للإسلام بوصفه كما يعتقد كثير منهم ديناً إرهابياً يعادي الحريات والديموقراطيات وحقوق الإنسان”.

 

وينقد السيّد الأمين تقصير العالم واهماله بحق الشعوب المستضعفة دون أن يبرر التطرّف المقابل قائلا: ما قلته هو جوهر الاهتمام الذي أوليه تجاه هذه الظاهرة التاريخية دون أن أهمل العوامل السياسية الدولية في مواقفها المنحازة ضد كثير من القضايا العادلة بما فيها قضية العرب والمسلمين وهي فلسطين، وعدم التصدي من قبل ما يسمى بالعالم الحرّ للجرائم التي ترتكب ضدّ شعب فلسطين. كما لا أريد أن أهمل ظاهرة تزداد وضوحاً مع تقدم العصر، والمتمثلة في الفوارق اللاإنسانية في بنية مجتعات العالم بما يعني أن جزءاً كبيراً من العالم يطحنه البؤس والفقر وعدم توفّر أبسط حقوق ومتطلبات الكثير من الأفراد والشعوب، وعلاقة هذا الأمر بازدياد التوحش الرأسمالي في عالمنا المعاصر. كما لا أريد أن أهمل أيضاً مناخ الاستبداد والقهر التي تقع تحت وطأتها الشعوب التي تنتج مثل هؤلاء الإرهابيين”.

 

ويؤكّد السيد الأمين” ان مبدأ التطرف مدان في كل زمان ومكان وفي كل الأديان وهو لا ينتج إلاّ ذاته،أي مزيد من التطرف، ولكن ما يهمني إزاء هذه الظاهرة هو أن تتمكن نحن المسلمين من إنتاج وعي ديني مختلف ومناقض لما هو سائد في كثير من المجتمعات الإسلامية الشعبية وفي وعيها القاصر عن فهم الإسلام عقيدة وفكراً، أي لا بد في المدى الاستراتيجي أن تتكوّن عناصر نهضة إسلامية خصوصاً على مستوى الوعي لأن الافتقار إلى الوعي المتقدم والمطلوب سوف يتيح المجال للتمسك بالإسلام على النحو الجاهلي والمتخلّف والسيء للدين وللفكر الإسلامي الحقيقي، وقد حصل أنّ اتجاهاً مثل هذا قد ظهر في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20، وسميت مرحلة النهضة والتجديد وظهر فيها علماء ومفكرون كبار، ولكنها بكل أسف انحسرت فيما بعد ولا يتسع المجال للكلام على أسباب انحسار مسيرة عصر النهضة هذا، الذي نشعر ونحن نقارنه بأوضاعنا الراهنة أنه كان متقدماً جداً وواعداً جدّاً، فلا بدّ إذن من تجديد عصر النهضة هذا، لتجفيف الوعي الديني البائس الذي تنطلق منه هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية.

 

وينهي السيّد الأمين حديثه قائلا: “وبالخلاصة فإنني أعتقد ان مهما كان حجم القوّة التي ستواجه هذا الإرهاب، فإن القضاء عليه عسكرياً ليس ممكناً إلا بصورة مؤقتة، وهذا ما لاحظناه في العقدين الأخيرين، بما يعني أننا نرى أن الحلّ لهذه الظاهرة المعضلة لا يمكن أنّ يتم إلّا من خلال الجهد السياسي والثقافي، وفي التجفيف الفكري والاقتصادي والسياسي لينابيع هذه الظاهرة، فالمجابهة تكون بالاعتدال، لا بالتطرف”.