بعيداً عن الحكم المسبق على تموضع النائب فرنجية وعلاقته المميزة مع رأس النظام السوري وانتمائه للمحور الإيراني وما لنا من مآخذ كبيرة عليه، يبقى أن مقاربة هذه المباردة لا يجب أن تكون عبر محمول عاطفي بالرغم من أهميته ، إلا أنّ الموضوعية تفرض علينا قراءة المبادرة من جوانب مختلفة ومتعددة .

في البداية وإن كان من المبكر القول أنّ الظروف كلها مؤاتية للوصول بهذه المبادرة إلى خواتيم ناجحة كما يرسم عرابوها ، وإنّ طريق بعبدا سالكة تماماً أمام المرشح المفترض وإنّ ليس فيها من العقبات الكثيرالكثير، وإنّ كانت الأجواء من ناحية أخرى تنبئ بجديتها وبأنّ مؤشرات كثيرة توحي بذلك، ليس أقله سكوت حزب الله حتى اللحظة وعدم اعتراضه عليها بشكل رسمي .

وهذا يعني بأنّ حظوظ نجاح هذه المبادرة تكاد تكون متساوية مع حظوظ تعسرها وإفشالها، وفي هذا الوقت وحتى يتبين أرجحية إحدى الإتجاهين وأيّ المسالك سوف تخطوها، لا بد من الإعتراف بأنّ سعد الحريري قد أثبت مرة جديدة بأنّه الرقم الأصعب على الساحة السياسية في لبنان ، بالرغم من تعرضه للنفي وما يتعرض له تياره من ضائقة مالية وتشققات  لم تعد خافية على أحد .

هذا من جهة ومن جهة اخرى فقد استطاع أيضاً من خلال هذه المبادرة تسجيل عدة أهداف في مرمى الخصم، ليس أقله ما يحكى عن توتر بدا واضحاً منذ التسريبات الأولى بين الرابية وبنشعي، وبينهما يقف حزب الله حائراً مضطرباً ( لأول مرة ) ، فلا هو يستطيع أن يذهب بفرنجية إلى الأخير ممّا يعني تخليه وخسارته لمرشحه المعلن ميشال عون، ولا هو يمكنه التمسك بميشال عون والإستمرار بالفراغ على مشارف تسويات قادمة، مما يعني بالضرورة خسارته لفرصة إيصال حليف لا يقل إخلاصا عن الأوّل .

واما ما يقال بأنّ هذه المبادرة إنّما هي بمثابة إعلان هزيمة سياسية لفريق 14 اذار، وإن كنا لسنا بوارد الدفاع إلا هذا كلام لا يعتبر دقيقاً بالخصوص عند الغور بكل الظروف المحيطة بموضوع الرئاسة وحيثياته ، فكلنا يعلم بأنّ حزب الله لا يمكن أن يقبل بتولي منصب الرئاسة لشخصية غير محسوبة على محوره حتى لو اضطر لإستعمال سلاحه بالداخل مرة جديدة وبالتالي فلا مناص من الإقرار بهذا الواقع وعليه فإن الخيارات كانت محصورة حكماً بين ميشال عون او الفراغ ؟

ولا بد هنا من الإشارة أيضاً، بالفارق الكبير بين أن يأتي رئيس للجمهورية " محب " لبشار الاسد وبين أن يعيّن بشار الأسد رئيساً للجمهورية، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن بشار الأسد اليوم هو غير بشار الأسد  قبل سنوات، حيث كان يكفي أن يسمي هو اسم الرئيس لتتفتح له أبواب بعبدا، وهذا ما لم يحصل لميشال عون رغم الإتصال المباشر معه والطلب إليه بالصبر والصمود قليلاً،

كل هذا وغيره جعل الكثير من المراقبين يظنون بأنّ هذه المبادرة الصدمة إنّما هي بالحقيقة من ابداعات لا يمكن ان تتفتق عنها عقلية سعد الحريري نفسه بدون ايحاءات من مخضرمين " عتعيت " امثال وليد جنبلاط ونبيه بري !

وعلى كلا التقديرات فلا يمكن توصيف هذه المبادرة وبغض النظر عن نهاياتها إلا بأنّها " ضربة معلم " .