ما جرى في أعقاب تفجيري برج البراجنة الإجراميين الإسبوع الفائت، نموذجي لجهة كشفه دور الغرائز والضغائن في تصوراتنا.


فقد أطلقت العامة العنان لمستويات من العنصرية التجريمية، لم يجرِ التراجع والإعتذار عنها على رغم انكشاف بطلان أسبابها، هذا إذا سلم المرء بوجود ما يبرر وثبة هذه الغرائز حتى لو تم توهّم أسباب لها.


فقد اتُّهم مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين بالوقوف وراء الجريمة! وهذه المرة لم يقف حزب ولا مستفيد ولا "مدسوس" خلف الاتهام. من أطلق العنان لغرائز التجريم كان "العامة"، ولم يتورع العشرات عن التعبير عنها بأسمائهم الواضحة. وهذا ما يجعل الفعلة جوهرية، ذاك أنها انفعال طبيعي وامتداد لأحاسيس موجودة أصلاً ومنتظرة الفرصة لكي تظهر وتعلن عن نفسها.


والحال أن التحقيقات كشفت أن المخيم بريء من الفعلة. وهو بريء أصلاً قبل الإعلان عن أسماء أعضاء الشبكة الإجرامية. فالاحتمال، غير الصحيح، عن وجود أحد أبناء المخيم بين المنفّذين لا يعني أن المخيم مذنب، إنما المذنب هو المنفذ والمُسهل.


لكن الغريب أن الإعلان عن أسماء عناصر الشبكة وهوياتهم الوطنية والطائفية والمناطقية لم يُحدث صدمة في أوساط أصحاب مشاعر الكراهية. لم نقرأ اعتذاراً وتراجعاً، ولم يتلُ أحد فعل الندامة، هذا في وقت يُمكن أن نتعامل مع ما كتبوه على صفحاتهم بصفته وثائق تفيد في فهم ما تنطوي عليه نفسنا الجماعية من احتمالات.


لكن ما يتوقف عنده المرء في حفلة الغرائز هذه هو وقوع مشاعر الكراهية هذه في مناطق غائرة من الوعي لم يبلغها حتى الانقسام السياسي والطائفي، أي أنها حقيقية أكثر مما هو الانقسام حقيقي. وهي تظهر على نحو مفاجئ بصفتها عارضاً نفسياً، لا بصفتها السجالية على نحو ما هي السياسة سجالية.


سيدة لا تحب "حزب الله" ولم يسبق أن انحازت لأدواره سواء في لبنان أو في سوريا، قالت لكاتب هذه السطور في أعقاب التفجيرات: "لا يستحق أهل البرج من الفلسطيسنيين هذه المعاملة"! وشاب جامعي كتب على صفحته على "فايسبوك": "لو أن لدى الفلسطينيين نخوة لما خسروا فلسطين". هذه عينات عما قيل في ذلك اليوم، وقد يقول قائل إنها انفعالات لا قيمة لها وجرى مسحها عن الجدران. وهي حقاً انفعالات، وجرى فعلاً محو الكثير منها، أما أنه "لا قيمة لها"، فهذا ما يجب نقاشه.


من المفترض أن يكون الفلسطينيون في لبنان على هامش خط الإنقسام المذهبي، ذاك أن موضوع الانقسام الراهن هو سوريا. لكن يبدو أن التباساً لم ينجّهم من احتمال ضمهم إلى الضغينة المذهبية، وهذه الأخيرة تشتغل في أوقات كثيرة من دون تأثير مباشر من القوى السياسية والمذهبية.


"حزب الله" مثلاً بدا مربكاً وعاجزاً حيال الانكشاف المفاجئ لهذه الضغائن، وبهذا المعنى بدت هذه المشاعر أقوى من الجميع، وكان أن استجاب الله لأدعية قليلين بأن ظهرت نتائج التحقيق على نحو لا يُلبي التعطش للانتقام.