حروب في كل العالم , عناوين كثيرة , مسميات أكثر تعقيدا , سياسية وفكرية ودينية وثقافية وإقتصادية وإجتماعية ...

وإلى آخره كل هذه العناوين التي تُخاض الحروب تحت أسمائها المختلفة , تنطلق بجوهر واحد وهو السطرة والإمرة , ومهما حاول قادة الحروب من إخفاء الحقيقة سرعان ما تظهر مع الايام ومن خلال النتائج وما تخلّفه من أحداث , صراع حضارات أو حوار حضارات , وحرب على الارهاب , وكأن الإرهاب يصدر من كائنات فضائية وتدعمه السماء , فتستباح شعوب وبلدان وتدمر حضارات بعناوين شتى , ( الديمقراطية , الحرية , العدالة , حقوق الانسان , كرامة الانسان , حفظ الدين ..) , كل هذا أمام نظر دول عظمى قادرة على الحسم إن إرادت , إلا أنها لا تريد. في أجواء هذه الفوضى من الحروب العبثية , وُضِع الاسلام موضع التهمة , وشُنّت عليه حملات التشويه , حتى أصبح مدموغا بصفة الإرهاب , وهذا فيه تجنّي على المسلمين وعلى الاسلام , مع أننا لا ننكر أن بعض أتباع الاسلام مارسوا الارهاب تحت عنوان الاسلام , ولكن لم يكن الاسلام هو الدافع ولا السبب الوحيد للإرهاب.

  نجد أنفسنا مكلّفين بمراجعة السياق القرآني حول نظرته ورؤيته إلى الاديان الأخرى وإلى الناس بشكل عام , باعتبار النص القرآني هو النص الاسلامي الذي يُعتمد عليه لتكوين الرؤية الاسلامية الحقيقية , ليس هذا الكلام بهدف توضيح الرؤية لغير المسلمين فحسب , بل أيضا بهدف التوضيح لكثيرٍ من أتباع هذا الدين الذي ظُلِم كثيرا سواء من أهله أو من غيرهم , وخاصة الذين يحملون ويتصدرون الدعوة والتبليغ بخطاب ديني بعيد عن الثقافة ودون المستوى العلمي المطلوب أن يتساوى مع مقاصد الاسلام, أولئك الذين يُعبئون نفوس الناس بالعدائية تجاه غير المسلمين , وبالتالي يُشوهون صورة المسلم , ودوره , وتصوير الاسلام على أنه دين القتل والكراهية , وكأن الدعوة إلى الله لا تتم إلا بالقتال والحروب , متناسين منهجية الدعوة القرآنية التي هي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة , حيث قال الله تعالى في سورة النحل \125 , " ادعو إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين " .

لقد كُلّف المسلمون العمل بإستقامة بعيدا عن الطغيان والظلم , قال تعالى في سورة هود \ 112 : " فاستقم كما أمرتَ ومَن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير" . شاء الله تعالى في عباده سنة الاختلاف والتنوع فاشار إلى ذلك بقوله في سورة الروم \ 22 : " ومن آياته خلق السماوات والارض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " .

 وقال تعالى في سورة هود \ 119 " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين , إلا مَن رحم ربك ولذلك خلقهم وتمّت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين " .

 فالقاعدة الذهبية في القرآن الكريم تتبنى عدم الاكراه في الدين , وهذه من أجمل النصوص الدالة على أهمية الحرية والاختيار عند الله , حيث قال تعالى في سورة البقرة \ 256 : " لا إكراه في الدين قد تبيّن الرُشد من الغيّ ..." وأشار غلى ذلك أيضا في سورة الكهف \ 29 : " وقل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر....