يفضّل رئيس المجلس الوطني لمستقلّي 14 آذار سمير فرنجية الخروجَ من الأفق الضيّق للمعادلة الداخلية التي تبدو شبه مقفلة، سعياً لقراءة أشمل تنطلق من رؤية ما يجري حولنا، وفي العالم. يعبر عن بعض من السأم من غياب السياسة في لبنان، بمعناها القادر على انتاج مشروع إنقاذ، في وقت تشتعل النار في المنطقة، مهدِّدة النموذج اللبناني، الذي ما يزال فرنجية يعتبره نموذجاً فريداً في العالم العربي والعالم، تجدر حمايته، ولا يجد مَن يحميه. بسؤاله عن مبادرة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله يقول فرنجية: أيّاً كان السبب الذي حدا به لهذه المبادرة، فلا يمكن التعامل معها بسلبية، فبتقديري تبقى الأولويّة المطلَقة لمنع الفتنة السنّية الشيعية لأنها تعني نهاية لبنان. كنتُ تمنيت على المتحاورَين المسيحيَين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع أن يضعا هذه المسألة في اولوية حوارهما، ليساهما ببلورة دور مساهم للمسيحيين في لجم هذه الفتنة.
وعن إمكان أن تكون مبادرة نصرالله مناورة قال: لا أعتقد أنها مناورة لكن إذا اعتبرناها كذلك علينا أن نواجهها بإيجابية، فلم يعد أحد في لبنان قادر على مواجهة تداعيات الوضع السوري بمعزل عن الآخر.

ففي الميزان السياسي خسر فريق 8 آذار، لكنّ فريق 14 آذار لم يربح، وحان الوقت لطيّ الصفحة والانتقال الى مرحلة جديدة، فلبنان إذا استمرّ الوضع على حاله مهدَّد بأن يتفجر من الداخل.

وعن السلة المتكاملة التي طرحها نصرالله للحلّ قال: المطلوب عودتنا جميعاً الى هذا البلد بشروط البلد، هذا يعني أن ننتخب رئيساً للجمهورية وفيما بعد نشكل حكومة تتولّى وضع قانون انتخاب تجرى على أساسه الانتخابات النيابية. لقد بتنا نعيش في دولة معلقة لا تستطيع أن تأخذ قراراً.

هل هذا يعني أنّ حزب الله تخلّى عن ترشيح العماد عون؟ قال: ترشيح «حزب الله» للعماد عون لا يتعدّى كونه مناورة لإبقاء الأمور على حالها، لا توجد عقبة اسمها ميشال عون بل «حزب الله»، وإذا قرّر حزب الله العودة عن موقفه فهذا أمرٌ إيجابي، وبطبيعة الحال اسم رئيس الجمهورية لا يمكن أن يكون من طرفي الصراع، وعلينا أن ننتخب رئيساً قادراً على تخطّي هذا الاصطفاف وفق قاعدة لا غالب ولا مغلوب، والأسماء كثيرة.

وعن سبب اعتباره أنّ 14 آذار لم تربح يشرح فرنجية: كان يُفترض بـ14 آذار أن تحمل مشروعاً سياسياً مستقبَلياً يخرج البلاد من ازمتها وهذا الامر لم يحصل.

هناك محطات مهمة في تاريخ 14 آذار ينبغي أخذها بالاعتبار أوّلها 14 آذار 2005، التي عدنا بعدها الى الصراعات. كما أنّ هناك محطة انتخابات العام 2009 التي كانت باباً مفتوحاً لتغيير جَذري لم يحصل. هناك تراجع عن ثوابت أهمها الوحدة الإسلامية المسيحية، كالقانون الأرثوذكسي الذي كان تراجعاً خطيراً.

يضيف: 14 آذار في وضع ضعيف لأنْ ليس هناك من رؤية تتصل بأمور أساسية. فما هو موقفها أو موقف بعضها من تسوية الطائف التاريخية، وهل كلّ 14 آذار تدرك أهمية التواصل مع قوى الاعتدال في لبنان والعالم العربي، وهل تدرك أنّ هذا البلد هو نموذج للعيش المشترَك، وأنّ هذا العيش هو مبرّر وجوده وفرادته؟

يقول: بكلّ صراحة هذا التوافق في الرؤية غير موجود، وبالتالي لا نستطيع الاستفادة من فشل المشروع الآخر للقول إننا ربحنا.
لماذا لم يتمّ تفعيل المجلس الوطني؟ يقول: بين لحظة الإعلان عن ولادة المجلس واليوم حصلت تطوّرات كبيرة في المنطقة ولبنان، الأمر الذي أجّل انعقاد مؤتمر المجلس الوطني. هناك جهد واجتماعات متواصلة للإعلان عن المجلس بحيث سيقدم رؤية لمستقبلنا الوطني.

عن إخفاقات 14 آذار وآخرها في نقابة المحامين قال: لا أدري إذا كان فشل مرشح القوات اللبنانية في نقابة المحامين هو نتيجة للهجوم الذي شنّه رئيس القوات الدكتور جعجع على مَن أسماهم بالمستقلّين، لكن يهمنّي أن ألفت الى أنّ كلمة مستقلّ ليست إهانة، وأنّ خروج الحزبيين من السجن وعودتهم من المنفى، واستردادهم لأحزابهم، أتت بشكل اساس نتيجة الجهد الذي بذله هؤلاء المستقلّون، وبالتالي علينا أنْ لا نخلق خطوط تماس بين الحزبي والمستقلّ، بل أن نبحث كيفية إشراك الجميع بإنقاذ البلد.

وعن التطوّرات في سوريا والمنطقة وتفجيرات باريس يقول فرنجية: لقد دخلنا في المرحلة الأخيرة من الصراع الدائر في سوريا، وذلك بعد سلسلة أخطاء ارتكبها أطراف الصراع، بدءاً من أميركا التي كان بإمكانها في العام 2013 أن تنهي هذه المجزرة الرهيبة، مروراً بإيران التي حاولت إبقاءَ الأوضاع كما هي دفاعاً عن جبهة الممانعة القائمة حصراً على استمرار النظام في سوريا وليس على أيّ أمر آخر، وصولاً الى تركيا التي لم تتمكّن من فصل داخلها عن خارجها، فباتت أرضاً للصراع.

ويضيف: المفارقة أنّ داعش باتت العامل الموحّد لكلّ الأطراف، لأنها وحّدت أهدافها، فأجبرتهم على توحيد سياساتهم، فيما كانت روسيا آخر طرف دخل الى هذه المعمعة، حيث باتت تحتاج الى حلٍّ سياسي يمنع تكرارَ تجربة أفغانستان.

يختم بالقول: ما نشهده هو جريمة العصر بحقّ شعب بات مهجَّراً ومهاجراً، وهذه الجريمة خلافاً لجرائم كبرى حصلت في عصرنا مثل (رواندا وكمبوديا) هي جريمة موثّقة، ولا يستطيع أحدٌ القول إنه لم يكن على علم بها، فالعالم هو المسؤول عن استمرار المأساة.