أشرت بإصبعي إلى القمر   تبسمت ، وأنا أنظر إلى سبابة ابنتي الصغيرة ، وهي تشير إلى القمر …. نبرتها البريئة وهي تلح علي أن أسرع ، حتى لا يهرب القمر . إصبعها البللوري النابض بمعنى الحياة الذي ينقلك إلى فضاءات البراءة والسعادة اللامحدودة . تلح أكثر ، وتتسع ابتسامتي ، وأنا أحملق بإصبعها . ثم أضحك بصوت عال ، عندما بدأت بسؤالها : بابا أين هو ؟ لقد اختفى !! أطفأت محرك السيارة ، بدأت أبحث معها عن القمر….. – إنه هناك خلفنا – ( أخذت تصفق بجنون ، ولم تزل سبابتها مرفوعة باتجاه السماء) : هذا هو ! دعنا نأخذه معنا إلى البيت.  صوبوا اتجاهه ، حاولوا النيل منه …لن يسقط ….   (( أشرت بإصبعي إلى القمر ………. وحده الغبي من نظر إلى إصبعي !!! ))   لا يهم من قائلها ، أو مناسبة قولها ….لكنها من أثار حفيظتي على الابتسام والضحك ، وأنا أحملق إلى إصبع ابنتي الصغيرة ….  صوبوا إلى الجملة كاملة ، قد تتناثر مفرداتها ، ويبقى وحده القمر ، يسابق ابنتي ، وتريد أن تلعب معه ، أن تضحك معه ……وتخشى هروبه أو اختفاءه !  هل أدركتم سبب تبسمي وضحكي ؟ إنها الصور تتداعى أمام عينيك .. لملم كل العناوين ، وانثرها كيفما شئت ، تقع ، وتبقى علامات الاستفهام والتعجب معلقة كالحجارة ….تبحث عن كل المسوغات ، تقدمها بأطرها العلمية أو الأدبية أو الفنية أو السياسية أو… أو ….. وتشير إليه بالنتائج ، ويبقى محملقاً بإصبعك ؟   ديرالزور  9 /5 /2009        

 

أبو الذئاب   لمّا رقأت دمعته ، وأفاق من إغمائه ، وقلب طرْفَه في أهله وصحبه …ابتدره أحدهم بالملام : أشرت إليك بالنهوض ، مادامت لك قدم تحملك …فلماذا لم تسرع بالهرب ؟! ثم تداعت الصور إلى القيام في رجفة جسده ، وحركة شفتيه الباردتين …فانبرى يتحدث بصوت واجف. – لا أخبرتكم إلا عن عيان ….إنه المسخ في صورته ، والجني يرتعد فرقاً من طلعته ، وعين القطران تجري من صنان إبطيه ورقبته ……. وكانت الخيالات تطوف به من كل جانب ، فإذا أغمض عينيه سمع صداها في نفسه ، فاسترسل إليها . – كان اليوم صائفاً والهاجرة تلذع الأجسام ، ولم أتنبه لقدومه وحاشيته ….كان يريد إغلاق النوافذ ، ويبقي على واحدة للحاسوب …..لست بمصغ إليه ، وتركتها مشرعة للريح والشمس. وفجأة طوّح بي الأجل إلى مهاوي الثرى . وكال لي الشتم والسباب بأقذع الألفاظ …. وقال بجرْسٍ جهوري : أرى المصلحة العامة أن أقذف بك في غيابة السجن ، ليعتبر بك الآخرون !؟   وما غَنَمُ الراعي أُعدّت لأجله ………….. ولكنّما الراعي أُعدَّ ليرعاها   وانصرف شاب خفيف الروح ، ما مرّ على قلبه الهم إلى مقاطعته قائلاً : – ذاع صيت سرقة الدجاج في البلدة ، وكان جاري يعوّل على كلبه ( أبو الذئاب ) اقتفاء أثر الجناة والنيل منهم …ولمّا مرّت الأيام دون جدوى ، وحتى لا نخدع بسراب المنى وأعاليل الوعود …قلت لجاري أمام الملأ : الجميع يعرف أن ( أبو الذئاب ) يكفيه مؤونة النباح على ثلاثة أشخاص من البلدة كلها ، ويميل عنقه تحت نعال البلدة ، ويخشى جمع ( ابن آوى ). والنصح في البحث عن بديل له… حتى إذا مضى هزيع من الليل ، استغرقت البلدة في النوم . خرجت أبحث عن نسمة عليلة ، فرأيت ( أبو الذئاب ) وقد عاد أدراجه يحمل البيض والدجاج ، واستقبله جمع ( ابن آوى ) يضحكون وتواثب إليه الصغار…. ويقبلونه !!!!  دمشق 26/6/2006        

 

زراعة الصوف    طفِق يتجوّل هائماً ، تقاذفته الظنون ، وغلبت عليه حُزّة في قلبه …..لم يجد ما يطفئ أوار فكره ، فارتمى خرقةً بالية ….( يدك منك وإن كانت شلاّء ). تهرب ابتسامة هزيلة من ثناياه ، وقد أشاح بوجهه عن قدم متورمة من وُكد…   سمعتُ بأنّ صوفياً تحفّ…………..ـىفراحَ يَدُقُّ مسمـاراً بنَعـلِ  فأمسك كمَّه شُرطي جيـش………..وقال : تعال سمِّر نعلَ بَغلي   أفاض الدمعَ ، وحشرج صوتُه ، ثم حملته الأحلام الضبابية إلى يوم تال …  …………..  وفي أول النهار ..َبينا كان في مكتبه ، يرشف الشاي مع صاحبه ، جاءه كتابٌ …قرأه ، ثم طواه بأناة ، وانفجر ضاحكا……… ( متفائلاً ) – أشرتُ عليك أنها سحابةُ صيف …وأن الحبّة تدور وإلى الرحى ترجعُ ! ( يتابع الضحك ) – ليس الخبرُ كالعيان . – ……….؟! ( يأخذ نفساً ) – هل سمعتَ بـ : خصيب ؟ ( مدهوشاً ) – خصيب !؟ – نعم خصيب …خصيب من وُلّي على مُلك ولاية . ( ومضت عيناه ) – يعني ..أنك أصبحتَ …..؟ ( يقاطعه بانفعال ) – قيل إن عقل خصيب كان ناقصا ، وكفاءته محدودة . فجاء إليه جماعة من الزرّاع يشكون الضرر الذي لحق مزروعاتهم ، فقالوا : لقد جاء المطر في غير أوانه ، فأتلف القطن الذي زرعناه بأطراف النهر . فقال : الأمر سهل ، فيلزم أن تعتاضوا عنه بزراعة الصوف !… – وأين أنت من خصيب هذا ؟! ما .. ما قصدك ؟! ( يدفع الكتاب أمامه ) – اقرأ ما جاء في مضمونه ، وما تفتّق به خياله . يقرأ الكتاب على عجل ، ثم يطويه ، وينظر إليه مواسيا :   إذا كان ربّ البيت بالطبل ضاربا…………..فلا تلمِ الصبيان فيه على الرقصِ   وخيّم صمت مطبق ……