بعد ليل برج البراجنة الدامي في لبنان، شهدت مدينة الرومانسية باريس فيلم رعب لم يهدأ لساعات طويلة، ولا يبدو انه سيهدأ بسهولة بعد 13 تشرين الثاني 2015. سلسلة هجمات أوقعت عشرات القتلى والجرحى وغيّرت وجه عاصمة الانوار ولو بعد حين.
وفي مقابلة أجرتها "النهار" مع الشاب اللبناني أنطوان منسى الذي كان حاضراً في ستاد "سانت دني" الباريسي، وقت وقوع الاعتداء، وصف الشاب ما جرى بـ "الكارثة". 
وقال منسى الذي نال شهادة الماجيستر في إدارة الفنادق "القصة مرعبة، لكنها مألوفة على مسامع من يعيش في لبنان"، وروى كيف سمع الجمهور صوت تفجير قوي في المرة الاولى، لكنه ظن ورفاقه أنه صوت مفرقعات. 
وتابع "بعد مرور نحو الدقيقتين من الوقت، سمع الجمهور الصوت عينه، ولم يعرفوا بعد انه التفجير، إلى ان انتهت المباراة بعد وقت ضئيل جداً وصرخ أحد العاملين في الملعب: إنه إطلاق نار"، مضيفاً "ذلك الصوت لم يكن للابتهاج للأسف، كان كفيلاً في دبّ الذعر في نفوس المتفرجين".
بقِيَ أنطوان وصديقاه في مكانهم، خصوصاً ان خروج آلاف الاشخاص في الوقت عينه من الملعب سيولّد زحمة وفوضى كبيرين. "وقفت وصرخت: إنها كارثة. هذا ما حلّ بمدينتي بيروت ليلة الخميس الفائت واليوم في باريس وغدا لا نعرف أين سيحصل هذا الامر".
وأكمل الشاب للجريدة "تهافت الجمهور للخروج من عدد من المخارج، إلا ان عدداً كبيراً منهم عاد إلى داخل الملعب بفعل الزحمة. ومنهم من هرب نحو مكان وجود اللاعبين خلف الملعب".
فيلم رعب حصل أمامه ذكّره بكل الحروب التي مرّت على لبنان، شاهده أثناء وجوده في الملعب لمدّة 40 دقيقة ومن ثم خروجه منه ليجد ان "المترو" توقّف. وقبل ذلك بدقائق قليلة، وما ساهم في إثارة الرعب عند منسّى كانت الرسالة النصية من والده و يدعى ايضا انطوان وهو رئيس اللجنة الاقتصادية العالمية للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم.
انقطع إرسال الهاتف ثم عاد ليتوقف مجدداً، قبل ان ينجح في التواصل مع والده وطمأنته.
بعد ان باءت محاولة الصعود بـ"المترو" بالفشل، انتظر أنطوان وأصدقاؤه مع الباريسيين والأشخاص من جنسيات عدة، الذعر والبحث عن الامان كانا عاملين مشتركين بين الجميع.
الكثير من الناس وعدد كبير من الشرطة وسيارات الاسعاف، هذا ما رآه الشاب العشريني، يقول لـ "النهار" "خفت كثيراً،فعلاً كارثة".
وبعد عودة "المترو" للعمل، عاد ليلتقي والده الذي خرج من منزله الكائن على بعد نحو الـ30 دقيقة من الستاد.
"كان قلبي يخفق بسرعة قياسية"، يضيف الشاب، لكن لا يبدو ان ليلة الرعب ستبدل مشاريع انطوان فهو يتحدث عن تخطيطه للعمل في فندق كونه تخصّص في إدارة الفنادق ما يدمغ مقولة "اللبناني بينسى بسرعة".
في لحظة الخوف الكبيرة، والتي وصفها الشاب بـ"اللحظات الأقسى في حياته"، كان يتكلّم عن مستقبله ويقول: "نريد ان نعييش بأمان".
وأجاب رداً على سؤال إن كان سيعود ليعيش في لبنان، ولاسيما انه استنتج ان لا مكان آمناً بعد الآن، "مهما يكن، باريس تبقى أكثر أماناً من بيروت. أحب لبنان وسأظل أزوره، لكنني أخاف أكثر من أي وقت مضى ان أعيش فيه". يصر الشاب انه لا يريد ان يتوقّف مستقبله على ليلة دموية ويسأل اللبنانيين عن أحوالهم قائلاً "نحن في باريس بخير. طمنونا عنكم في لبنان".
اما والد أنطوان الذي يتردّد إلى لبنان شهرياً فيشارك ابنه رأيه: "باريس لا تزال أكثر امناً من لبنان"، ويستدرك قائلاً ان "اللبناني قادرٌ على العيش في كل الظروف، انظري ماذا حصل خلال انقطاع الكهرباء لليلة واحدة في نيويورك. تاهوا نحن شعب جبار".
يتحدث الوالد عن ثلاث ساعات من الانتظار المضني "حتى اني لم أتمكّن من الذهاب إلى ابني بواسطة التاكسي...الشوارع كانت فارغة باستثناء مكان الهجمات".
هرع منسى ليلتقي ابنه في المترو "الفارغ" ولما التقيا عادا لمتابعة الحدث عبر شاشات التلفزة.