اعتذر ماريو عبود لقسوة الصورة التي ترصدها الكاميرا. كانت الأشلاء مرعبة والمصوِّر لا يكترث. استنفرت الشاشات لنقل فجيعة برج البراجنة، وكما العادة عمّت الفوضى. فُتح الهواء للثرثارين كي يرقصوا فوق الجثث.

يخذل المأساة المتنقّلون بين الشاشات بنفاق الألسنة ورياء النفس. أعداد مخيفة للشهداء والجرحى، والإعلام اللبناني حائرٌ أيّ السياسيين يستنطق. لن يسامح التلفزيون نفسه إن مرَّ هذا السياسي على الشاشة المنافِسة من غير أن ينال منه حصرية التنظير. عائلات مفجوعة وقلوب موجوعة، والإعلام، في جلّه، يبيح الهواء للعاجزين في السياسة، الآتين بأناقتهم وربطات اعناقهم يعلّقون على آهات الناس ثم يمرّرون الرسائل السخيفة. في الفجائع الإنسانية، لِمَ يتصدّر السياسي المشهد؟ لِمَ يصرّ الإعلام على أن يظلّ مُدجَّناً زاحفاً خلف السياسي الذي لا يجيد سوى ركاكة الاستنكار؟ كان لا يكفي هول الحدث تنقّل سياسيين يهلوسون بشهوة الضوء من تلفزيون إلى آخر، حتى هبط مَن يسمّون أنفسهم "محلّلين" وغزوا الصورة. سالم زهران لم يهدأ. كأنّه وسواه موظّفون لتكرار الوعظ في المصائب. أمامهم في الغالب مذيعات يُرخين انطباعاً بفيض السذاجة. يُعزّين السياسي بالضحايا ويَحَرْن أيّ الطرق تحول دون هزّ بدنه. يصوّر الإعلام اللبناني سياسييه ملائكة وسط المجازر. الكلّ مسكينٌ مكسور القلب، لم تعرف عيناه النوم. تُركِّب الشاشات للسياسي جناحَي البراءة. تفضّله على الضحايا والعائلات المفجوعة. يُتعبها واجب ملء الهواء حين لا يتوافر الخيار الآخر. تحشو رأس المُشاهد بما تيسّر من تنظير وثرثرة وأكذوبة. يطلّ معين شريف مرّة أخرى ليوزّع بطولات زائفة. هذا الرجل بات عبئاً على الشاشة، كأيّ سياسيّ يتعالى على الجراح ليصدِّر وطنيته أمام الكاميرا. هبط شريف على "أل بي سي آي" يُحلّل في صراع السّنة والشيعة والوحدة الوطنية وإرادة البقاء. كان ينقص المُشاهد أمثاله ممن يفضّلون استهلاك الضوء على احترام اللحظة. ليت الشاشات تُثبت رغبة في التحلّي بالمسؤولية. عبث.