بحكم مهنتي واهتمامي بالشأن الوطني لا أفوِّت مثل غالبية اللبنانيين الاستماع إلى خطابات الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إلا إذا كنت على سفر أو غارقاً في لقاءات هدفها الأول زيادة المعرفة لإطلاع القرّاء على ما يجعلهم على بيِّنة من أوضاع بلادهم. وإذا كان خطابه في بنت جبيل، بعد إزالة الاحتلال الإسرائيلي، وطنياً جامعاً فإن خطابه قبل يومين، وتحديداً الشقّ الداخلي منه، كان توصيفاً دقيقاً للحال اللبنانية الراهنة وتعبيراً صادقاً وصريحاً عن قراره الانخراط في حوار جدِّي مع الأطراف اللبنانيين لمنع تحوُّل "كوما" دولة لبنان موتاً سريرياً لا علاج له إلا بإعلان وفاته. كما كان تعبيراً عن خوف على البلاد، وتأكيداً لمسؤولية اللبنانيين كلهم عن إيصالها إلى القعر، وفي الوقت نفسه عن إيقاظها من غيبوبتها العميقة وعن تغذيتها، كي تستطيع انتظار الحلول في محيطها، إذ من دونها لا تسوية نهائية في بلادهم. "فالمعالجة على "الحبة" لا تنفع" و"البلد عالق" كما قال، "وينتقل من مشكلة إلى أخرى ومن أزمة إلى أخرى، ليس لديه قابلية بقاء وقابلية حياة. والخارج مشغول ويجب عدم انتظار تطوراته". واقترح "تسوية سياسية شاملة عبر مجموعة حوارات من أجل معالجة حزمة من المشكلات الراهنة وإيجاد تسويات لها ضمن سلة واحدة". ولا يعني ذلك حلَّ القضية اللبنانية بكل أزماتها ومشكلاتها الآن، لأن المنطقة في حال حرب وانفجار، بل حل قضايا الفراغ الرئاسي والحكومة في عهد الرئيس الجديد رئيساً وتركيبة وقانون انتخاب... وإعادة الحياة إلى مؤسسات الدولة، وزيادة مناعة اللبنانيين كي لا ينزلقوا إلى النار التي تحيط بهم، وكي يستطيعوا مشاهدة إنزال الستارة عند انتهاء الفيلم الطويل جداً والمتنوع الأبطال والموضوعات، السوري – الإيراني – السعودي – الروسي – الأميركي – المذهبي – التكفيري – الثوري.
طبعاً ليس الهدف من هذه المقدمة الطويلة مدح نصرالله. فهو لا يحتاج إليه، كما أنني لست مدّاحاً كما يعرف الجميع. بل هو حضُّ الجميع على ملاقاة هذه المبادرة بمبادرة مقابلة أو مبادرات لأن الناس لم تعد قادرة على الاحتمال معيشياً وحياتياً وبيئياً وصحياً وسياسياً ووطنياً واقتصادياً، ولأن الغالبية الساحقة من قادتهم والزعماء لا يبدون مهتمِّين إلاّ بمصالحهم الخاصة على رغم تغطيتها بمصالح فئوية. أما المصلحة الوطنية ومصالح الناس فغائبة.
كيف كان صدى الموقف الأخير للأمين العام لـ"حزب الله"؟
الصدى الأكبر أمس كان للتسوية التي حالت دون إقفال نهائي أو شبه نهائي لمجلس النواب، ودون تعرية لبنان أمام العالم، ودون عودة بذور الانقسام المسلم – المسيحي إلى النمو مع استمرار تفاقم الانقسام السنّي – الشيعي. علماً أن "حزب الله" كان يرصد ردود فعل الأطراف اللبنانيين على "اقتراح" أمينه العام وفي مقدمهم "تيار المستقبل"، إذ لا يزال وعلى رغم الوهن الذي أصابه، المقابل لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، فهو يمثِّل غالبية السنّة في لبنان والمرجعية السنّية للعرب في هذه المرحلة، المملكة العربية السعودية. في حين يمثِّل الثنائي المذكور شيعة لبنان، ومرجعية الشيعة في العالم إيران. وتنبع أهمية "المستقبل" كذلك من كون الديموغرافيا السنّية اللبنانية (من دون المبرِّر الفلسطيني المزمن والسوري الحديث) متساوية مع الديموغرافيا الشيعية اللبنانية. وتفاهمهما، وإن الموقت والمرحلي، يفيد البلاد، في حين أن استمرار صراعهما سيسهّل امتداد الحريق السوري إليها. والنتيجة الأولى للرصد كانت غير عاطلة ليلة الخطاب، إذ بثّ تلفزيون "المستقبل" الشقّ اللبناني من خطاب نصرالله. أما أمس فقد أثارت افتتاحية جريدة "المستقبل" تساؤلات "الحزب" إذ حصرت الفضل في التسوية التي جعلت مجلس النواب يجتمع وإن "لتشريع الضرورة" بالرئيس سعد الحريري، علماً أن دور "الحزب" مع "التيار الوطني الحر" لا يقل أهمية. وانتقلت إلى مهاجمة نصرالله وما ورد في خطابه محمِّلة إياه مسؤولية التعطيل. علماً أنه اعترف في خطابه بأن فريقه يمتلك حق النقض (أي التعطيل) وكذلك الفريق المقابل له الذي يمتلك حقّ المبادرة إلى حق التعطيل. والاعتراف رافقته دعوة ملحة إلى الاجتماع لتسوية سياسية شاملة وموقتة سمّاها "السلة الواحدة".
هل يتجاوب الرئيس سعد الحريري؟
يجب أن يتجاوب ومعه أطراف 14 آذار وكل 8 آذار. فلبنان لا يزال "عالقاً" في "المهوار" و"الجدل البيزنطي" لن يخرجه منه. ومجزرة الضاحية الجنوبية مساء أول من أمس التي ارتكبها إرهابيون خير دليل على ذلك.