تعطي التفاصيل الاضافية التي ما زالت ترشح عن مفاوضات ما قبل الجلسة التشريعية الانطباع الواضح عن الرغبة المشتركة لكلّ الاطراف بالوصول الى حلّ وسط، سرّعت بنضوجه الجلسة التي كان البعض يعمل على تأجيلها ومن ضمنه «حزب الله»، تفادياً لتأزيم العلاقة الى حدّ الصفر بين حليفيه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون. لعلّ أبرز وجوه الخلاف في مفاوضات التسوية، كان حول الجهة التي ستتعهّد بأن تكون الجلسة المقبلة جلسة إقرار القانون الانتخابي، وحول هذه النقطة دارت المفاوضات، داخل «14 آذار»، ومع بري، هذا فيما كان موضوع قانون الجنسية قد تجاوز القطوع وتمّ الاتفاق عليه في اللجنة النيابية.

يوم السبت الفائت اجتمعت قوى «14 آذار» بكلّ اطيافها، في «بيت الوسط» واتفقت على ما سُمّي «النقاط الاربع» ومنها التفاهم على اولوية انتخاب رئيس الجمهورية، وعدم الممانعة في البحث في قانون الانتخاب، لكن مع الاصرار على إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات النيابية، أيْ الاتفاق على أن ينتخب المجلس الحالي رئيس الجمهورية، كذلك تمّ الاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية من النواب بطرس حرب واحمد فتفت وعاطف مجدلاني، لكي تلتقي برّي وتعرض عليه مشروع مخرج لعقد الجلسة يقضي بالتعهّد بأن تكون الجلسة التي تليها، جلسة مناقشة قانون الانتخاب.

في اليوم التالي للاجتماع، أيْ الأحد، أبلغ النائب جورج عدوان الى قوى «14 آذار»، تحفّظ «القوات اللبنانية» عن بعض النقاط (ربط البعض التحفّظ بحساسيات تتعلق بتشكيل اللجنة)، وأعقب هذا التحفّظ زيارة عدوان والنائب ابراهيم كنعان لبري، حيث عرضا عليه المشاركة في الجلسة مقابل التعهّد بأن تكون الجلسة التي تليها جلسة قانون الانتخاب، فرفض بري، واقترح عليهما أن يتم خلال الجلسة تشكيل لجنة خماسية تضمّ ممثلاً عن كلّ من حركة «أمل» و«حزب الله»، وتيار «المستقبل»، و«القوات اللبنانية»، و«التيار الوطني الحر» و«اللقاء الديموقراطي»،

على أن تُعطى هذه اللجنة مهلة شهرين تنتهي في 15 كانون الثاني، فإذا أتمّت عملها، تجتمع الحكومة وتقرّر فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، وإذا لم تتممه يحيل بري مشاريع قوانين الانتخاب الى اللجان النيابية المشتركة وحين تنتهي من عملها، يعرض ما توصلت اليه على «أيّ» جلسة نيابية. عارض كلٌّ من عدوان وكنعان الصيغة، خصوصاً أنها لا تتضمّن تعهّداً بعرض قوانين الانتخاب في «أول» جلسة تشريعية، بل تتركها بلا تحديد.

بعد فشل اللقاء بين بري وكنعان وعدوان، أعاد الرئيس فؤاد السنيورة تحريك فكرة زيارة اللجنة النيابية التي شكلت في «بيت الوسط» لبري، فاتصل النائب بطرس حرب وطلب موعداً، فحدَّده بري الاربعاء (أيْ قبل الجلسة بيوم واحد) وبعد معاودة الاتصال قرّب بري الموعد الى الثلثاء، فذهب الوفد الثلاثي (حرب، فتفت مجدلاني) الى اللقاء، ولكنّ بري بقي على موقفه، ولم يتعهّد بأن تكون الجلسة المقبلة جلسة إقرار قانون الانتخاب.

أمام هذا الانسداد الحاصل واقتراب موعد عقد الجلسة وسط خلافٍ على مَن يحضر ومَن يقاطع، اتصل فتفت بعدوان، ليعرض عليه اقتراحاً تمت بلورته مع الرئيس سعد الحريري والسنيورة، يقضي بتعهّد «المستقبل» بعدم حضور أيّ جلسة نيابية أخرى إذا لم يكن على جدول أعمالها قانون الانتخاب. ردّ عدوان بإيجابية، قائلاً: «الفكرة قابلة للنقاش.. لكن اعطوني بعض الوقت في انتظار الجواب النهائي».

وصل العرض الى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وكان ردّ «القوات» أنها تريد تعهّداً ببيان يصدر عن كتلة «المستقبل» وعن الحريري، في هذا الموضوع، واعتبرت أنّ السنيورة سبق أن تعهّد بعدم النزول الى الجلسة. لكنّ السنيورة أوضح أنّ «موقفي انحصر باحترام ميثاقية الجلسة».

صباح الاربعاء بدا وكأنّ التسوية قد أُنجزت، فبعد تبادل مسودّات الأفكار، صدر بيان الحريري، مستبقاً موقفاً مرتقباً كان سيعلنه «حزب الله» بطلب تأجيل انعقاد الجلسة، وبدا مرة جديدة أنّ التواصل «القواتي»ـ «المستقبلي» (لم يحصل أيّ تواصل «عوني» ـ «مستقبلي» في شأن التسوية) نزع لغماً داخل 14 آذار كان سيكون شبيهاً بـ»اللغم الأرثوذكسي».