سمية محنش، من الأصوات الشعرية الجديدة في الجزائر التي لفتت إليها الأنظار، عبر تجربتها الفتية، التي تذهب إلى الكتابة الكلاسيكية، والتي حازت بها مؤخرا جائزة رئيس الجمهورية للشعر. محنش تقف الليلة للمرة الأولى في بيروت لتقرأ شعرها في معرض بيروت الدولي العربي للكتاب، وهذا بالنسبة إليها كما تقول حدث كبير في حياتها، إذ طالما حلمت أن تأتي إلى هنا.
حول بعض مناخات الكتابة والزيارة، هذا اللقاء.

بداية، هذه هي زيارتك الأولى لبيروت وهي المرة الأولى التي ستقرئين فيها الشعر في هذه المدينة (الليلة خلال معرض الكتاب)، ماذا يعني لك ذلك كله؟

^ يعني الكثير، فبيروت حلم كبير للشعراء والمبدعين بصفة عامة، وهي المعرض الدائم للكتاب، والعاصمة الأدبية لمختلف الثقافات. أنا لن أقرأ القصيدة في بيروت بل هي التي ستقرؤني. في بيروت سيحتفي الشعر بنفسه لأنه في بيته.

ربما كانت بيروت كل ما تقولينه، لكن أعتقد أنها تحولت اليوم إلى أسطورة، ولم تعد مثلما كانت عليه، في أي حال، كيف تنظرين إلى المشهد الثقافي الراهن في لبنان؟

^ لا شك في أننا جميعا تتلمذنا على قراءة الأدب والأدباء اللبنانيين، بالنسبة إليّ المشهد اللبناني الثقافي هو مشهد رائد، حيث الإصدارات المتنوعة ودور النشر، كذلك المجلات الأدبية والثقافية الرائدة التي كانت تصدر هنا. أضف إلى ذلك كله، أن هناك اليوم العديد من الأصوات الشعرية الشابة التي تلفتني والتي أتابع أعمالها. باختصار لا يزال هذا المشهد فاعلا على المستوى العربي وربما العالمي.

والمشهد الجزائري؟

^ أنا كشاعرة شابة أنتمي إلى هذا الجيل وأعتز بشعراء جيلي من الجزائريين، وأتوسم فيهم وعيا وطموحا أدبيا كبيرا. المشهد الجزائري اليوم، يعرف نشاطا كبيرا وحركة أدبية متنوعة من خلال تضاعف دور النشر في السنوات الأخيرة، التي تعمل على إصدار عناوين مختلفة.

تحدثت عن الجيل الشاب في الجزائر، هل ثمة اختلافات بينه وبين الأجيال العربية الأخرى؟ وأين تلتقي هذه الأجيال في الكتابة؟

^ لو نظرنا إلى الشعراء الشبان في الجزائر اليوم لوجدناهم يميلون أكثر من غيرهم إلى الأصالة بمعنى ميلهم إلى القصيدة الكلاسيكية بالدرجة الأولى ومن ثم التفعيلة والشعر الحرّ. لو قارنا ذلك مع الشعر في المغرب وتونس لوجدنا أن الشعراء هناك ينتمون أكثر إلى كتابة قصيدة النثر. أعتقد أن الشعر الجزائري الراهن هو جزء من السياق الشعري العربي الراهن، ويميل شعراؤه أكثر إلى الجدية في الكتابة، وإلى امتلاك هذه الرؤية المستقبلية.

هل تعتقدين أن كتابة قصيدة النثر لا تملك أي جدية في الطرح كما لا تملك أي رؤية مستقبلية؟

^ أبدا، اشعر بأنه يجب أن تكون هناك خلفية لقصيدة النثر، خلفية ثقافية وأدبية وشعرية. ما يميز قصيدة النثر في الغالب هو خلوها من الموسيقى. وهذه الموسيقى برأيي عامل أساسي في الكتابة الشعرية وهذا ما افتقدته القصيدة النثرية وما جعلها تتسم ببرودة ما، أي لا تملك حرارة الكلمة ولا حرارة المعاني. وهذا بالتأكيد لا ينطبق على الجميع، بل أقصد فئة ما ممن يكتب هذه القصيدة.

ربما هناك بعض التجارب السيئة في قصيدة النثر عند شعراء معينين، لكن هذا لا يعني أنها لم تعط قصائد كبيرة وشعراء مميزين؟

^ أكيد، هناك أسماء عديدة وكبيرة في قصيدة النثر، تركت أثرا كبيرا في الأدب العربي برمّته.

ولماذا اخترت القصيدة الكلاسيكية؟

^ لم أخترها بل هي اختارتني. في قصيدة العمودي والتفعيلة لا أحسّني أكتب بقدر ما أحسّني أشدو. دائما ما أقول مثلا إننا لو نثرنا قصائد العربية التي كتبت من العصر الجاهلي إلى يومنا هذا على الصحراء العربية لغطتها. هنا يحس أحد ربما بأننا نكرر ولا نضيف شيئا في هذا الشكل الشعري في حين أننا نكتب بلغة عصرنا، بهواجسنا اليومية وكل ما نعيشه في حياتنا المعاصرة.
هنا يكمن التحدي برأيي في أنك تجدد ضمن القالب القديم ولولا ذلك لما تناسل منه الشعر التفعيلي وحتى قصيدة النثر التي تلقاها عند بعض الكتّاب وتشعر بأنها امتداد لما كتب في الماضي.

ماذا تقصدين بكلمة امتداد؟

^ ما أقصده بشكل واضح أن الامتداد هنا هو امتداد في الشكل فقصيدة التفعيلة هي تنويع على البحور الخليلية في حين أن المعنى يختلف من شاعر إلى شاعر. 

ولكنك تربطين الشعر هنا بالشكل فقط؟

^ لا أربطه بالشكل، قلت إن هناك شعراء نثر مميزون في الأدب العربي برمته وتركوا بصمتهم عليه.

وأنت كيف أتيت على الشعر؟

^ يعود ذلك إلى بداية التسعينيات، زمن المرحلة الابتدائية، كنت في السابعة من عمري حين شاهدت على شاشة التلفزيون مشاهد الحرب التي كانت تعرض عن الحرب في البوسنة، كان التلفزيون الجزائري يعرض مشاهد الأحداث الجارية هناك، فكتبت بلغتي الطفولية فقرات عن ذلك. هكذا بدأت التجربة الأولى، ومن ثم تطورت لتصبح خواطر وتباعا وصلت إلى القصيدة.

وماذا تريدين من الشعر اليوم، من الكتابة؟

^ كأنني بها أريد أن أصور هذه الحياة وانقل ما أعيشه على ورق وربما سيتذكرني أحد عندما أرحل عنها. الكتابة بالنسبة إليّ، متعة أمارسها ببذخ، بتدفق. هي بالنسبة إليّ كاللوحة، فالرسام يرسم بالفرشاة واللون وأنا بالقلم وربما أرسم أيضا بالمعنى. لا أريد منه أي شيء، فقط أن أستمتع بالكتابة. 

أجرى الحوار: إسكندر حبش