مرة جديدة تعود آلة الموت لتحصد الأبرياء ، والمستهدف كالعادة هو الوطن ، فالإرهاب الذي يجد دائماً ثغرة في المجتمع اللبناني فإنّه يستغلها لينفذ منها بغية ضرب الأمن والاستقرار في البلد . والمستهدف ليس بضع عشرات من المظلومين الذين صادف وجودهم أو مرورهم في تلك المنطقة المنكوبة ، وإنما المستهدف هو الوطن بكافة مكوناته الطائفية والمذهبية بدون استثناء .

والتفجير الذي يعتبر الأضخم في سلسلة العمليات التفجيرية الإرهابية التي استهدفت لبنان لم يكن فقط متصلاً بالنمط الإجرامي لداعش وإنما جاء متزامناً مع إستعادة المشهد السياسي الداخلي حدّاً معقولاً من التماسك ترجمته التسوية السياسية التي أثمرت انعقاد الجلسة التشريعية لمجلس النواب اللبناني للمرة الأولى بعد انقطاع دام لمدة سنة تقريباً .

فالضاحية الجنوبية لبيروت التي شهدت آخر تفجير منذ سنة ونصف وتحديداً في 23 حزيران 2014 كانت بالأمس على موعد مع الإرهاب وتحديداً حوالي الساعة السادسة مساء حيث ضرب داعش ضربته أمام حسينية برج البراجنة على دفعتين .

إذ تولى انتحاري أول تفجير نفسه بحزام ناسف وبعد أقل من خمس دقائق أقدم مجرم ثانٍ على تفجير نفسه على بعد عشرين متراً تقريباً فيما عثر على انتحاري ثالث مقتولاً بفعل أحد الإنفجارين قبل أنّ يتمكن من تفجير نفسه .

وبعد ساعات قليلة على التفجيرين نشر تنظيم داعش على مواقع التواصل الإجتماعي صورة من مكان العملية وبياناً تبنى فيه التفجيرين .

وفي آخر حصيلة شبه نهائية أعلنتها وزارة الصحة اللبنانية ليلاً أفادت أن عدد الشهداء بلغ 43 شهيداً فيما جاوز عدد الجرحى الـ 239 جريحاً ، وتوقعت مصادر في وزارة الصحة أن يرتفع عدد الشهداء بسبب الإصابات الخطيرة بين الجرحى .

وهذه الحصيلة الضخمة والمفجعة للتفجير المزدوج أثار المخاوف من تجدد الموجة الإرهابية وخصوصاً في ظل مؤشرات سبقته كان أبرزها الشريط الذي نشره داعش قبل أيام مهدداً فيه مجموعة شخصيات سنية سياسية ودينية لبنانية عندما تكثفت عمليات مخابرات الجيش والأجهزة الأمنية وتمكنت من توقيف عدد من الرؤوس الإرهابية المنخرطة في خلايا لداعش.

لا شكّ أنّ الرد الطبيعي والناجع على الإرهاب لا يتم فقط بتكثيف الإجراءات الأمنية والتدابير الإحترازية ولا بالمماحكات السياسية ولا بالخطب النارية والاستفزازية ، وإنّما بالمزيد من التماسك بين المكونات الطائفية والمذهبية والحزبية للمجتمع اللبناني ، وفك الإرتباط بين المشروع الوطني والأزمات الإقليمية .

وذلك بالعودة إلى ربوع الوطن والتمسك بالهوية الوطنية وانتاج حلول للمشاكل المتراكمة التي يعاني منها البلد ويأتي في مقدمتها انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية .