كتبت قبل مدة مقالاً بعنوان "سحب عون لا سحقه". لكن يبدو أن الرياح العاتية التي تهب من كل صوب، تهدف فعلاً الى سحقه تمهيداً لسحبه بعدما مضى كثيراً بعكس السير، وعرقل الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي انتظام عمل المؤسسات. وبدا عون، على رغم دهائه، كأنه لم يدخل اللعبة السياسية من بابها اللبناني، بل على طريقته، وظل يتصرف كقائد عسكري، لا يأخذ بمشورة أحد، ولا يقيم وزناً لمن اعتبروا أنفسهم حلفاءه، ودخلوا، أو أدخلوا لا فرق، في "تكتل التغيير والاصلاح".

من داخل التكتل خرج أولاً النائب طلال ارسلان منذ زمن طويل، بل بالأحرى لم يشارك إلا شكلياً. وحالياً، خرج عن بيت الطاعة "تيار المردة" و"حزب الطاشناق" بعد صبر وتردّد. فالاختلاف في وجهات النظر قائم، وبشدة، بين "التيار الوطني الحر" والآخرين في التكتل. وإذا كان النائب سليمان فرنجيه التزم صمتا، ألزَم به جميع معاونيه، في موضوع العلاقة مع عون، فإن التأزم باد في كل التفاصيل، وإن لم يخرج الى العلن بشكل فاضح. وربما تنطبق الحال أيضاً على "الطاشناق".
اما الحليف الأقوى "حزب الله" فلم يقدم لعون سوى الدعم المعنوي وبعض المساعدات المادية بعد حرب تموز 2006، لإدراكه نهم التيار، القادم حديثا الى نعمة السلطة، الى بعض الامكانات الخدماتية التي تحتاج سيولة نقدية غير متوافرة لدى "التيار"، خصوصاً انه لا يمون على صناديق الإهدار أي الهيئة العليا للاغاثة ومجلس الجنوب وصندوق المهجرين التي توزع خيرات الدولة على المذاهب الثلاثة. لكن الحزب خذل عون في الاستحقاق الرئاسي عام 2008، وفي قانون الانتخاب، وفي التعيينات العسكرية، وفي الجلسة التشريعية.
جارى الحزب رئيس "التيار" في التعطيل الذي يسيء الى سمعة عون وتاريخه العسكري أكثر مما يضيف الى رصيده، ولم يسعفه في الضغط على حليفه الأبرز الرئيس نبيه بري الذي اختلف مع عون مراراً وتكراراً، ويعمل بكل ما له من باع وخبرة على إخضاع الرجل لسحبه من المعادلة الرئاسية أولاً، وربما من كل المعادلة، وتحجيمه في إطار تياره أولاً، والتضييق عليه أكثر لاحقاً. ولا تفسر الحملة الأخيرة على جبران باسيل إلا في هذا الإطار.
في الأيام الأخيرة بدت المعركة كأنها كسر عظم مع عون الذي لم يجد في حشرته إلا رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع يقف الى جانبه ويقوي موقفه، فينقذه من سحق كاد يكون حتمياً. وقد انطلق جعجع من استياء مماثل من حلفائه بعدما لاحظ أن "المستقبل" تراجع في موضوع قانون الانتخاب، وكاد أن يعطل مشروع استعادة الجنسية.
وبدت تسوية أمس التي دخل على خطها الرئيس سعد الحريري، و"حزب الله"، وكأنها تأجيل لمواجهة كبرى قد تكون حتمية، إذا لم تنجح مساع لتسوية كبرى تتمثل بالاتفاق على انتخاب رئيس.

النهار