يعتبر تنظيم القاعدة المؤسس الفعلي الأول لما يسمى الجهادية السنية، واستطاع التنظيم التأسيس لمرحلة جديدة في الواقع السني في العالمين العربي والاسلامي، وكانت هذه المرحلة بداية انعطاف استراتيجي على صعيد الساحة السنية في العالم، استطاع خلالها التنظيم تثبيت وجوده وتكريس زعامته التي تمثلت بما سمي الإمام المجدد الشيخ أسامة بن لادن.

في عام 2011 تعرض التنظيم لضربات متلاحقة كان آخرها مقتل زعيمة أسامة بن لادن في ايار/مايو 2011 الأمر الذي أدى إلى تعرض التنظيم لانقسامات حادة كان أهمها إنشقاق أبو بكر البغدادي وإعلان خلافته، لتبدأ مرحلة جديدة لما يسمى بالجهادية السنية .

استطاعت خلافة البغدادي وخلال فترة قصيرة جدا أن تثبت حضورها السياسي والعسكري وتكرّس واقعا جديدا في الساحة السنية، لتبدأ معه بوادر الخلافات الحادة بين تنظيمي داعش والقاعدة، لتتطور لاحقا إلى ما يشبه الصراع على استقطاب القاعدة السنية.

 ونظرا للإمكانات المالية الهائلة التي استطاع تنظيم داعش تأمينها من خلال سيطرته على مقدرات إقتصادية ونفطية في كل من العراق وسوريا، استطاع التنظيم أن يفرض وجوده على حساب القاعدة وفعمد بحنكة وذكاء إلى العمل على استقطاب القاعدة الشعبية لتنظيم القاعدة عبر مغريات مالية من خلال المقدرات المالية الهائلة التي تمتلكها، وعقائدية من خلال شعار استعادة الخلافة الاسلامية، ساعده في ذلك الإنتصارات المتلاحقة التي حققها التنظيم في كل من سوريا والعراق والشعارات العقائدية والمذهبية والطائفية الأخرى التي اعتبرت الشيعة أهدافا في سياق حملتها العسكرية لتحقيق حلم الخلافة ، أضف إلى ذلك ما امتلكه التنظيم من إمكانات إعلامية كبيرة وقدرة معلوماتية هائلة .

وبذلك تمكن تنظيم داعش من التفوق على القاعدة وأخواتها من التنظيمات المسلحة الاخرى، وكرّس وجوده العسكري والسياسي على حساب القاعدة حتى غاب هذا التنظيم بشكل شبه كلي عن المشهد السياسي السني في العالمين العربي والاسلامي واقتصر حضوره على إطلالات إعلامية محدودة .

ومع انكفاء تنظيم القاعدة عن الشارع السني استطاع تنظيم داعش الاستمرار في تمدده على مساحات كبيرة من الوطن العربي فسجل حضورا ملحوظا في معظم البلاد العربية من لبنان إلى سوريا إلى العراق واليمن ومصر وليبيا وغيرها .

وفي هذا السياق تحدث مرصد الفتاوى التكفيرية في دار الإفتاء المصرية عن الصراع المحتدم بين التنظيمات الإرهابية على خلفية حالة الاستقطاب بين الحركات والجماعات التي تسمي نفسها بالجهادية، فأشار المرصد في تقرير له إلى أن الإنجازات التي حققها تنظيم داعش أدت إلى إشعال فتيل الحرب بين التنظيمات التكفيرية بعضها البعض لبسط النفوذ على المناطق والجماعات التكفيرية الأصغر التي تنتشر في ارجاء الشرق الاوسط .

وأوضح التقرير أن ملامح الصراع بدأت تتشكل في سوريا بعد انشقاق تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة وإعلانه دولة الخلافة المزعومة ورفض أيمن الظواهري ذلك، وتطور الأمر وبدأ الطرفان في إعلان معارضتهما الفجة  لبعضهما البعض وكذلك ظهرت خلافاتهما الإيديولوجية بشدة، وقد وصل الخلاف إلى أشده بعد تبادل الطرفين الاتهامات والسباب العلني على المواقع والمنتديات التكفيرية ووصلت لحد تكفير كل طرف للآخر فقد وصف تنظيم منشقي القاعدة داعش الظواهري بـ"الشيخ الخرف"،واتهم داعش قيادات القاعدة بالانحراف عن المنهج الجهادي علي حد قولهم، معتبرًا أنها لم تعد تمثل قاعدة الجهادالعالمي، وأن قيادتها باتت معولاً لهدم مشروع الدولة الإسلامية والخلافة.

وبالرغم من ذلك استمر تنظيم داعش بالمضي في مشاريعة التوسعية والاستقطابية وها هو يلتهم من خلال سطوته المالية والسياسية والعسكرية كل المجموعات المسلحة الأخرى التي أعلن الكثير منها ولاءه للتنظيم واندماجه في بنيته التنظيمية وخياراته السياسية.

وإزاء ذلك  فمن المتوقع استمرار هذا الصراع بين التظيمات الإرهابية المسلحة على الشارع السني، وتتوسع مساحته يوما بعد يوم في ظل الفوضى السياسية والأمنية والعسكرية التي تعيشها المنطقة من جهة ، وفي ظل الفراغ السياسي الكبير الذي يعشه الشارع السني من جهة أخرى على امتداد مساحته العربية بكاملها .