ضاقت هوامش المناورة أمام معسكرَي تشريع الضرورة، مع اقتراب موعد التئام الجلسة ـ المحك التي توحي كل المؤشرات حتى الآن أن جولتها الأولى ستُعقد الخميس المقبل بما تَيَسَّر من ميثاقية وحضور مسيحي، وسط إصرار العماد ميشال عون وسمير جعجع على اشتراط ضم قانون الانتخاب إلى جدول الأعمال لحضورها، ورفض حزب الكتائب المشاركة فيها من الأساس.
وفيما كان ينتظر البعض من البطريرك الماروني بشارة الراعي أن يحسم بالكلمة ـ الفصل النقاش حول المشاركة المسيحية في تشريع الضرورة من عدمها، أتى موقفه في عظته أمس قابلا للتأويل والاجتهاد، بحيث وجد فيه أنصار التشريع تفهما لهم، بينما وضعه معارضو الجلسة في خانة سحب الغطاء الكنسي عنها.
وبرغم الكلام حول استمرار المحاولات لابتكار ممرات جانبية أو خلفية، للخروج من المأزق قبل فوات الأوان، إلا أن أجواء الرئيس نبيه بري لا تؤشر إلى إمكانية تعديل توقيت الجلسة وجدول أعمالها، وبالتالي فإن أي مخرج محتمل بات يرتبط بالجلسة المقبلة، ما لم تطرأ مفاجأة من العيار الثقيل في اللحظة الأخيرة، تدفع أحد الطرفين إلى إعادة النظر في موقفه المعروف.
وعلمت «السفير» أنه في حال تقدم «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» أو أحدهما باقتراح قانون انتخاب، معجل مكرر، من دون أن يسبقه توافق، فإن اقتراحا مضادا سيتم تقديمه فورا ويتضمن المشروع الذي سبق أن قدمه النائب عاصم قانصو على قاعدة اعتماد لبنان دائرة واحدة استنادا إلى النسبية.
هي معركة إضافية في «حروب» بري ـ عون المتنقلة، والتي تصل في مداها إلى ابعد من التشريع بالتأكيد.
ثوابت بري
وأكد الرئيس بري لـ «السفير» أن الخطر الكبير ليس في عقد جلسة تشريعية من دون حضور بعض المكونات المسيحية، بل في عدم انعقادها، لافتا الانتباه إلى أنه إذا كان الخيار بين تناول طبق يتسبب بـ «مغص» وطبق آخر يؤدي إلى الموت، فإنني أختار الأول طبعا.
وقال بري إن الميثاقية، وفق الدستور، تعني حضورا نيابيا من كل الطوائف، فإن غاب مكوّن طائفي بكامله، كما حصل مع «حركة أمل» و «حزب الله» في حكومة الرئيس فؤاد السينورة، تسقط الميثاقية تلقائيا، وهذا ما لا ينطبق على الجلسة التشريعية المقررة التي ستشارك فيها زعامات مسيحية وازنة كالنائب سليمان فرنجية وغيره، كما سيحضر نواب آخرون من أصحاب التمثيل المسيحي.
وأضاف: ما داموا قد أساؤوا التعاطي مع تمسكي بالميثاقية الموسعة طويلا، على الرغم من أنها ليست قاعدة دستورية في التشريع، فأنا من الآن وصاعدا سأحتكم فقط إلى النص الدستوري.
وأكد بري اعتراضه على «مهزلة» السيناريو القائل بإدراج مشاريع الانتخاب الـ17على جدول الأعمال، ثم رفع الجلسة قبل الوصول إليها، مشيرا إلى أنه يرفض التحايل على الناس والقوى السياسية، ومتسائلا: هل يجوز التعاطي بهذه الخفة مع قانون حيوي، يتعلق بإعادة تكوين السلطة؟
وشدد على أن توقيت الجلسة أتى دقيقا كساعة «بيغ بن»، ولا مجال لتعديله نتيجة حيوية المشاريع المطروحة والمحكومة بمهل زمنية، موضحا أن جدول الأعمال طُبع، وأي جديد يطرأ يمكن بحثه في الجلسة المقبلة.
وعما إذا كان يرى في موقف البطريرك الراعي رفعا للغطاء الكنسي عن الجلسة التشريعية، أجاب: لم أفهم كلام البطريرك الراعي على هذا النحو، بل فهمت منه أنه يؤيد تشريع الضرورة ويتفهم دوافعه.

مقاربة الرابية
في المقابل، قالت مصادر مقربة من العماد عون لـ «السفير» إن الإصرار على عقد جلسة، مبتورة الميثاقية، هو الانتحار بحد ذاته.
وحذرت المصادر من أنه لن يكون سهلا في المستقبل التصدي لأي محاولة قد تحصل لاستفراد المكون الشيعي لاحقا، وذلك تأسيسا على مشاركة هذا المكون في إنتاج الخلل الميثاقي المحتمل في الجلسة التشريعية.
ورأت المصادر أن التشريع من دون وجود نواب «التيار الحر»، يهدف إلى المساهمة في كسر هيبة الجنرال وبالتالي تخفيض أسهمه الرئاسية، «وإذا كانت صواريخ التاو الأميركية التي أعطيت إلى المجموعات المسلحة السورية تهدف إلى تأخير تقدم الجيش السوري في الميدان، فإن تشريع الامر الواقع هو «تاو» سياسي يراد منه إلحاق إصابة رئاسية بعون، على قاعدة أن زعيما بحجمه لا يستطيع أن يفرض إدراج بند على جدول أعمال الجلسة النيابية (قانون الانتخاب) أو تأجيل جلسة تغيب عنها المكونات المسيحية التمثيلية، كيف له أن يكون رئيسا للجمهورية؟»
ورجحت المصادر أن يُلْحِق تشريع الضرورة المجتزأ ضررا كبيرا بعلاقة عون - بري، الهشة أصلا.

موقف الراعي
في هذه الأثناء، اعتبر البطريرك الراعي أن المجلس النيابي يجد نفسه أمام أولويات وضرورات وطنية ينبغي أن يتم درسها وتحديدها والاتفاق عليها من قبل جميع الأطراف السياسية من دون الوصول إلى تشنجات وتعقيدات تعطيلية وتفسيرات طائفية ومذهبية، ومن دون فرضها فرضا، لافتا الانتباه إلى أنه «في ظل الفراغ الرئاسي لا يمكن التشريع بشكل عادي، ولا الخلط بين الضروري الوطني وغير الضروري».
وسأل: «لماذا التردد بشأن بت مشروعَي قانونَي الانتخابات واستعادة الجنسية؟».