مع كل ما نتحدث عنه من إنفتاح فكري وديني وتقبل للآخر مهما كان انتماؤه وصلاته ، إلا أنّه عند ملف الزواج تتمظهر كل العقبات جلّياً ، إذ أنّ مجتمعنا ما زال لا يحبذ فكرة زواج المسلمة من مسيحي ليس لاعتبارات شخصية أو رافضية ، ولكن لكون الدين الإسلامي يحرّم زواج المسلمة بغير ملّتها .

هذا التحريم الذي نرضخ له كبشر لا يرضخ له لا القلب ولا العواطف ولا الإعجاب ، وهذا ما حصل مع كل من سليمان و ريتا ، فريتا المسلمة من بيئة منفتحة وغير متشددة وتتعايش مع الآخر دون السؤال عن دينه أو طائفته لم يكن هناك عائق من صداقتها مع سليمان الشاب الجامعي الذي يسبقها بعامين والذي قدّم لها كل المساعدة منذ أوّل عام جامعي لها .

ما بينهما كان مجرد صداقة وثقة وزيارات متبادلة أثمرت في أن تتحوّل المعرفة لعائلية ليصبح كل من أهل ريتا وسليمان من أكثر المقربين خلال عامين على تعارفهما ...

محادثات watsapp، مشاريع نهاية الأسبوع ، عزائم متبادلة ، وتحضير للإمتحانات سوياً على الرغم من اختلاف سنواتهما إلا أن الإختصاص كان الجامع الأكبر ، كل هذه الأمور وعلى مدى عامين كانت كفيلة في كسر كل الحواجز لتتحوّل مشاعر الصداقة إلى إعجاب فتعلق فحب !

في حينها كان سليمان في سنته الأخيرة وكان يخطط لأن يتابع تخصص في الخارج غير أنّ صديقته التي أصبحت حبيبة كانت العائق الذي يجعله متردداً ، وهو الذي لم يعترف لها بحبه بعد ليخشى بسفره أن يفقدها .

ريتا لم تكن ببعيدة عن طاقة الحب التي لامستها والتي انعكست منها ، فهي تعترف لصديقتها أنها تحبه والتي تحذرها دائماً من اختلاف الأديان وهو العائق الذي سينعكس سلباً على العلاقات .

 

في امتحانهما الأخير اتفقا على أن يقضيا يومهما في الخارج يحتفلان بإنتهاء فصل من التعب والدراسة ، وكان كل منهما قد عقد عهداً على أن يخبر الآخر بالذي يشعر به ، وبالفعل وهما يرتشفان القهوة المحببة لهما على طرف الشارع نظر سليمان إلى ريتا وقال لها : "برأيك الصداقة بتصير حب "

ولأن لغة القلب أقوى وأعمق فهمت ريتا مقصده فأجابته : "اي ... بتصير ، بتصير"

هذا الإعتراف غير المباشر بينهما فتح الأمور على كل الأفاق ، فهو خلال شهر سيصبح خارج البلاد ولن يعود قبل سنة على الأقل ، ولأن الوقت لم يعد لصالحه وإثر ما شعر به من فرح عارم كون ريتا تبادله المشاعر نفسها ، قرر أن يصارح عائلته بالأمر ليضعه في نطاق رسمي .

في تلك الليلة لم يعلم أحد ما حدث في منزل سليمان ، غير أنّه لم ينم أي منهم ، فما صارح به الشاب عائلته شكّل خضّة كبرى ، إذ أنّ والديه يعلمان استحالة ما يطمح له ولدهما في مجتمع شرقي ديني ، النقاش كان حاد جداً ليوضع سليمان بين خيارين ، أو أن يتزوج ريتا فتخسر كل شيء ، أو يتخلى عنها فلا تخسر إلاّ هو ، وما بين الخيارين كان تشديد الأهل أن ينسحب ابنهما من حياة الفتاة حتى لا يدمر علاقتها بأسرتها وعلاقتهم هم أيضاً .

خيار سليمان كان صعب وبمثابة الإنتحار ، ولم يقبل به ولكن أمام تهديد أهله أنهما لن يعترفا به إن أقدم على هذا الأمر وأنه كما سيتسبب بتخلي أهل ريتا عنها هم بالتالي سوف يتخلّون عنه ، لذا قرر أن لا يتخلى تماماً عن ريتا وإنما أن يبتعد عن كل شيء لمرحلة علّه بعدها يكون بإمكانه أن يحظى بحبه .

 

الشهر الأخير قبل سفره لم يقضه في منزله وإنما في منزل جده الكائن بالجبل مقفلاً هاتفه مبتعداً عن ريتا والتي لم تعلم عنه سوى أنه "مشغول" "مش عم بلحق" حسبما كانت تسمع من والدته ، إلى أن سافر سليمان ، دون أن يودع حبيبته أو يخبرها بشيء .

ريتا لم تعلم أن قرار سليمان كان مرغماً وأنه كان مؤقتاً فحسبته تخلى عنها وقطع علاقته بها ، وشعرت ببعض الحقد عليه هو الذي لم يبرر لها شيء ولم يخبرها بأي سبب ، فالوضع الذي تحوّلت إليه علاقتهما اعتبرته ريتا انفصالاً أليماً لم يحترمها به .

ولكن شخصيتها العنيدة أبت عليها الإنكسار وإنما الإنتقام منها ومنه فوافقت على أول طالب قرب ، وتزوجت بعد خمسة أشهر من سفر سليمان والذي لم يعلم شيئاً لأن كل ما كان يسمعه عنها من أخبار عبر المحيطين "منيحة ريتا" ، "كل وقتها جامعة" ..

 

بعد سنة عاد سليمان ، عاد ليعيد موضوع ريتا إلى الواجهة وليتجه إلى عائلتها إن رفضت عائلته ، لكنه لم يجد ريتا التي سافرت وزوجها ...